انهارت أكثر من هدنة في اليمن قبل أن تبدأ، وكان من بذور انهيارها كونها «هدنة على دخن»، كما جاء في الحديث الشريف، حيث لا ترجع قلوب المتخاصمين على ما كانت عليه ولا يصفو بعضها لبعض. انهارت لكون المراقب لما يجري في اليمن يدرك أن الأزمة لا يحلها مبعوث أو مؤتمر أو هدنة. انهارت الهدنة لكثرة الخناجر اليمنية، وكأن لديها ظمأ هائلاً لا يرتوي للعنف، فقد عمل المبعوث جمال بن عمر لوقف القتال دعماً لقرار مجلس الأمن 2216 ولم ينجح، ثم المبعوث إسماعيل ولد الشيخ أحمد ولم ينجح.

ما سبق كان مقتطفات من مقال نشر في هذه الزاوية في 15 يوليو 2015 تحت عنوان «هدنة على دخَن» وبما أن النزعة الفوضوية التي طبعت الأزمة اليمنية مستمرة، فما الحل إذا كانت هذه الأزمة لا يحلها مبعوث أو مؤتمر أو هدنة!

هدنة رمضان 2022 فيها دخن كثير فقد صرح أكثر من مسؤول حوثي بما معناه أنّ «هذه الهدنة فرصة لدول التحالف لمراجعة حساباتها من أجل التوصل إلى سلام دائم وشامل في اليمن». كما صرح أنه «لا يمكن الرهان على وفاء دول التحالف وصحوة ضمائرها»، وذهب آخر إلى أن الهدنة فخ جديد يحاول التحالف من خلاله كسب الوقت وترتيب الأوراق وإنقاذ أوكرانيا وأمريكا لإمدادهم بالنفط وسيعود العدوان بعد انتهاء الهدنة بعد إنقاذ الغرب بالنفط.

وفي تقديرنا أن الهدنة لحظة حاسمة وخطوة نحو السلام وهي فرصة، لدفع المجتمع الدولي للانخراط في الأزمة وتحميله مسؤوليته بناء على القرار 2216، كما أنها فرصة لتحميل الشرعية اليمنية مسؤولياتها. فالمشاورات في الرياض كانت خطوة أولى والهدنة خطوة ثانية، ربما تجبر الشرعية على أن تدير المناطق الخاضعة لها لتوفير المتطلبات الإنسانية والمتطلبات الاقتصادية وتحريك بعض وسائل الإنتاج وخلق بيئة مؤاتية لتسوية صلبة الأركان.

بالعجمي الفصيح

الهدنة الحالية في اليمن ليست إلا هدنة عسكرية زال دخان بنادقها، فهي تجمد للعمليات وليحتفظ كل طرف بما كسب. لكن الدخن هو في الجوانب السياسية للهدنة، وعلى التحالف التفكير في تحميل الأمم المتحدة والشرعية جزءاً من مسؤولياتها ربما عبر انسحاب غير معلن.