أيمن شكل – تصوير نايف صالح


ضعف بصري أبعدني عن الدراسة في «برنتس بابكو»

بداية تعليمي بالهداية الخليفية.. وأول وظيفة لي في سفريات كانو

عملت على البواخر 3 أشهر تعاملت فيها مع أجناس البشر


25 روبية أغرتني بالانتقال للمالية لكن البلديات رفعوا راتبي 50 روبية

اصطدمت مع خبراء أجانب وخالد بن عبدالله قدر موقفي

استلهمت عمل الخير من عمي وشاركت في تأسيس جمعيات كثيرة

راتب شهر في الستينات كان يكفي لشراء 6 قطع أراضٍ

تاريخ ممتد منذ مطلع خمسينات القرن الماضي بدءاً بالتعليم في الهداية الخليفية ثم العمل في بواخر سفريات كانو، والعمل في بلدية المحرق التي أمضى فيها قرابة 4 عقود، ثم خرج بعدها ليواصل العمل ولكن في المجال الخيري ورعاية الوالدين والمسنين من أهل البحرين.. «الوطن» التقت مع رئيس جمعية البحرين لرعاية الوالدين أحمد البنا في حوار سرد فيه مسيرة حياته المفعمة بالأحداث.

وفيما يلي نص اللقاء..

ماذا تتذكر من أيام الطفولة؟

- المحرق كانت حاضنتي منذ الطفولة وتربيت في عائلة كنت الطفل الثالث من بين إخوتي، ووصلت لسن القبول بالمدرسة حيث التحقت بمدرسة الهداية الخليفية في عام 1952، فلم تكن على أيامنا ما يسمى اليوم بالروضة، وحفّتنا نخبة من الأساتذة البحرينيين والعرب في مدرسة الهداية الخليفة والذين كانت لهم هيبة ووقار، حتى أننا عندما نرى أحدهم في الشارع بعد نهاية الدراسة نبتعد خشية من هيبتهم الكبيرة، وهذا الأمر لم يعد يحدث اليوم ولا أثر له في العلاقة بين المعلم والطالب.

وفي أحد الأيام جاء فريق مدرسة «برنتس بابكو» لاختيار الطلبة الذين سينتسبون للمدرسة التي عرفت آنذاك بأنها الأفضل في تعليم الطلبة وإتاحة فرصة للعمل في الشركة بعد التخرج منها، كما أنها تميزت بتدريس اللغة الإنجليزية على يد أهل اللغة، وقد كانت أمنيتي الالتحاق بتلك المدرسة، لكن مع الأسف لم أتمكن من تجاوز الفحوصات النهائية، فقد اكتشفوا أن نظري ضعيف وأن لدي عيناً ذات مستوى نظر أقل من 6/6، وحينها أصابني الحزن فلم يكن لي نصيب لدخول المدرسة التي حلمت بالالتحاق بها.

وبعد أيام نسيت أمر المدرسة، ثم جاءني خبر بقرار قبولي مرة أخرى في «برنتس بابكو»، لكن في تلك اللحظة اختلفت رؤيتي ورفضت العرض الثاني، فقد قررت أن أكمل دراستي حتى أصبح طبيباً أو مهندساً أو أي من المهن الكبيرة، وواصلت الدراسة حتى المرحلة الثانوية.

ما هي ذكرياتك مع الدراسة؟

- هناك أساتذة أفاضل عرفتهم في المرحلة الثانوية وتركوا آثارهم على حائط ذكرياتي، ومنهم الأستاذ إبراهيم عبدالمحسن والمرحوم عبدالله الغرير الذي شجعني على مواصلة الدراسة، إلا أن نهاية المرحلة الثانوية كشفت لي عن شخصية الشاب الذي يتوجب عليه تحمل المسؤولية العائلية، خاصة وأن عائلتي كانت في حاجة للابن الذي يساعد في مصاريفها، لأن والدي كان مقاول بناء يتصف بالبساطة في زمن لم يكن فيه تعريف المقاول موجوداً بالمعنى المتعارف عليه اليوم وأحمل من مهنته هذا الاسم.

وماذا عن ذكرياتك مع البحر؟

- أتذكر في عام 1965 أتى شتاء شديد البرودة لم تشهده البحرين من قبل، وتسبب في تجمد الأسماك على الشواطئ والأسياف بكثرة، فكنا ندخل البحر ونلتقط الأسماك دون أي اكتراث ببرودة الجو التي كانت تجمد الأطراف، ولم تكن المحرق بهذه المساحة التي نعيش عليها اليوم، فقد كانت أرض منطقة الكازينو جزءاً من البحر ثم رحل عنها وعن مناطق كثيرة أخرى.

ما هي أولى محطاتك في ميادين العمل؟

- قررت البحث عن فرصة عمل، حيث كانت شركة سفريات كانو أول ولوج لي في سوق العمل، فأرسلوني إلى ميناء الدمام للعمل في فرع الشركة هناك بقسم البواخر، وآنذاك لم يكن جسر الملك فهد قد أنشئ فكنا نذهب إلى العمل بالقوارب واللنشات، وهي رحلة يتخللها الخوف من البحر والأمواج، لكن تلك المخاطر بالنسبة لشاب مثّلت مغامرة شيقة شعرت فيها بالتحدي ومنافسة الطبيعة في مسابقة بين طرفين غير متجانسين.

وتميز قسم البواخر بأن العمل كله كان يجري على متن الباخرة، فأنت تنام وتعمل وتأكل وتعيش حياتك على الباخرة، فضلاً عن التعامل مع أطياف مختلفة من البشر من جنسيات كافة دول العالم، ولذلك اقتصرت فترة البواخر على 3 أشهر فقط، ثم قررت بعدها العودة للبحرين والبحث عن عمل أكثر استقراراً، إلى أن التحقت بالعمل كمحاسب لدى تاجر في سوق المنامة يدعى جاسم المطوع، فقد كان التجار حينها يبحثون عن الموظف الذي يعرف أساسيات تدوين الحسابات من الصادر والوارد، ومن خلال خبرتي في العمل مع شركة كانو استطعت البقاء في تلك الوظيفة لفترة طويلة.

كيف حدث التحول الكبير في حياتك بالعمل في البلدية؟

- خلال عملي عند التاجر المطوع، عادت فكرة الدراسة مرة أخرى إلى ذهني، فدخلت المدرسة المسائية، والتي أتذكر منها الأستاذ الفاضل محمد جليل الجشي والأستاذ قاسم حسين واللذين شجعاني لدراسة المحاسبة لسنتين وتمكنت في المهنة بشكل جيد.

وبعد الانتهاء من دراسة المحاسبة بدأت في البحث عن عمل أفضل يناسب قدراتي ومؤهلاتي، وحينها كان الأستاذ أحمد العمران معاون البلدية بالمحرق، وتربطه علاقة صداقة مع عمي ووالدي، فتوجه والدي إليه وقال له «عندي ولد يبي يشتغل» فطلب منه أن أحضر للعمل في البلدية، ومازلت أذكر الشخصيات الأولى وفي بداية تلك المرحلة للوظيفة التي بقيت فيها إلى أن تقاعدت، ومن أبرزهم الأستاذ إبراهيم المحميد وعيسى الحادي الذي عرف بالثقافة والفقه.

حدثنا عن بداية الدخول إلى العمل الحكومي؟

- بدأت بأعمال خفيفة في البلدية حتى تدرجت في الوظيفة من مساعد أمين صندوق إلى الأمين، وكان يأتي محاسبون من خارج البلدية لإجراء الحساب الختامي والتدقيق في الحسابات، وصادف ذلك تواجد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن إبراهيم والذي عرض علي العمل في وزارة المالية فوافقت ورأيت فيها فرصة وطموحاً لأن راتبي كان سيزيد بواقع 25 روبية عن وظيفة البلدية.

وطلبوا مني تقديم رسالة للعمل في المالية، وبالفعل تم قبولي ولكن بشرط موافقة جهة عملي على ذلك بإحضار رسالة من مديري المسؤول وكان وقتها إبراهيم المحميد والذي رفض وعرض علي زيادة راتبي بواقع 50 روبية وترقيتي بأن أكون مسؤولاً عن السجل التجاري والذي لم يكن موجوداً في هذا الوقت عام 1961.

وقد كان راتبي في هذا الوقت 450 روبية ثم ارتفع مع محاولتي الانتقال لوزارة المالية إلى 500 روبية، وهو مبلغ يعتبر كبيراً جداً في تلك الفترة فالذي راتبه 500 روبية هو من علية القوم، حيث يمكن بواسطته شراء 5 قطع أراض حيث كان القدم وقتها بروبيتين.

وعلى الرغم من حزني على فقدان وظيفة وزارة المالية التي كانت تمثل انتقالاً محورياً في حياتي إلا أنني نسيت الأمر بعد فترة وواصلت العمل في البلدية إلى أن ترقيت لأكون مشرفاً إدارياً ثم رئيس الكتاب، وكان وزير البلديات والزراعة في ذاك الوقت الشيخ عبدالله بن خالد طيب الله ثراه.

كيف كانت علاقتك بالمسؤولين في البلدية خلال العقود الأربعة؟

- جاءنا الشيخ ماجد بن ناصر آل خليفة عام 1968 مديراً للبلدية وتميزت فترة العمل معه بطيبة أخلاقه حيث كنا نحسبه موظفاً عادياً بيننا وليس من العائلة الكريمة، وكذلك الشيخ عبدالله بن محمد الذي كان يقدر الموظفين لدرجة أنه كان يعتبرنا من عياله.

كما عاصرت في عملي بالبلدية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء حالياً، حيث كنت في ذاك الوقت مراقباً بالبلدية، وصدر قرار بتدوير المراقبين العاملين في البلديات وكان نصيبي العمل في منطقة عالي وبقيت فيها حتى عام 1996، ثم انتقلت إلى مدينة عيسى حتى نهاية 1997 ولمدة 10 أشهر اختتمتها بتقديم استقالتي لأختتم مسيرة عمل في البلدية استمرت لقرابة 4 عقود.

هل كان العمل البلدي يشهد تحديات كثيرة كما هو اليوم؟

- أذكر أنه تم تكليفنا بوضع خطة ودراسة وافية لخفض الميزانية، وذلك بتكليف من الشيخ عبدالله بن محمد، وجاؤوا بثلاثة من الخبراء الإنجليز لتدريبنا، ولكن اكتشفت أنهم لا يملكون خبرة كالتي كونتها على مدار أكثر من 30 عاماً في العمل الميداني ومعرفة خفايا البلديات وكافة تفاصيلها، وحدث حريق في مخلفات بالحاويات وتبين أن الحريق ناتج عن قرارات خاطئة لهؤلاء الخبراء الأجانب، فثار غضبي عليهم مباشرة واتهمتهم بالجهل وانعدام الخبرة، وقلت لأحدهم: «إذا كنت خبيراً فارجع إلى من عينك في هذا المنصب» وقد كان الشيخ عبدالله بن خالد هو من عينهم، فحدثت مشكلة كبيرة وتوقع زملائي في العمل معاقبتي على تلك الكلمات، فما كان من الشيخ عبدالله بن خالد إلا أن استدعاني وسألني عن الواقعة، فقدمت له شرحاً وافياً بالأدلة حول ما يجب على الخبراء فعله، وجاء رده متسائلاً: لماذا لم تذكر ذلك من قبل، فأجبته بأن الثقة في الخبراء أكبر من الموظفين.

كيف بدأت جهودك في العمل الخيري؟

- تعلمت من شخصيات الخير الأوائل والجمعيات الخيرية الصادقة التي كانت تثري عمل الخير بدون أي بهرجة أو مقابل، بينما اليوم نرى أكثر من 600 جمعية خيرية لا نعلم ماذا تفعل، وكان عمي من أهل العمل الخيري، وأبلغته أن أصحاب الهمم يريدون حافلة خاصة بهم فعرض الأمر على جميل الجشي مدير الخدمات الاجتماعية في دائرة العمل التي ترأسها ذاك الوقت الشيخ عيسى بن محمد، وبالفعل حصلنا على موافقة لشراء الباص من شركة كانو وتم إهداؤه لممثلة ذوي الهمم في تلك الفترة منيرة بن هندي، والتقى بهم الشيخ عيسى بن محمد، وهذا الموقف كان له أثر كبير في نفسي لأن أبدأ مسرة العمل الخيري.

ودخلت أكثر من جمعية خيرية كانت بدايتها مع جمعية البحرين الخيرية برئاسة الأمين العام الدكتور حسن كمال، ثم أسسنا صندوق المحرق الخيري برئاسة رجل الأعمال عبدالحكيم الشمري، واستمر العمل من خلاله لفترة طويلة رئيساً للجنة الأعمال الخيرية، وجاء بعد ذلك تأسيس جمعية «الكلمة الطيبة»، وتوليت رئيس مجلس أمناء دار المحرق وبعدها تأسيس جمعية الأنفال، ودخلت جمعيات التربية الإسلامية والجمعية الإسلامية وجمعية الحد.

وكنت من المؤسسين لجمعية المحرق التعاونية الاستهلاكية التي أنشئت عام 1985 ومن ثم اندثرت في عام 2010 أرادوا إحياء الجمعية مرة أخرى، وقمت بالتعاون مع رئيسها محمود سيادي.

وفي عام 2009 بدأت عمل الخير ببناء «دار المحرق» ومن ثم دار البحرين رعاية الوالدين والتي تحولت إلى جمعية فيما بعد بناء على طلب وزارة التنمية تحويل الدار إلى جمعية حتى يسمح لنا بجمع الأموال.

وبقيت جمعية البحرين لرعاية الوالدين بهذا الاسم وبرعاية الشيخ خليفة بن علي محافظ محافظة المحرق والرئيس الفخري، وأقمنا العديد من الفعاليات بدعم من المغفور له بإذن الله تعالى الأمير خليفة بن سلمان طيب الله ثراه، وتوسعنا في الفعاليات محلياً ثم خليجياً وعربياً وأخيراً عالمياً.