وكالات


ما تزال صور الرتل الروسي الضخم المتوجه إلى كييف، من أهم أيقونات الحرب الروسية الأوكرانية التي تحل ذكراها السنوية الأولى وسط تحشيد وتصعيد مستمر.

وكانت خطة بوتين التي عرفت عسكريا بخطة "قطع الرأس" تسعى لتحقيق نصر سريع من خلال تحريك رتل عسكري روسي ضخم من الدبابات والمركبات المدرعة عبر الأراضي الأوكرانية وصولا إلى العاصمة كييف.

اللواء الأوكراني المتركز بالقرب من حدود بيلاروسيا لم يكن بإمكانه فتح النار والمخاطرة ببدء صراع


لكن الرتل الروسي، تنامى طوله في 29 فبراير/شباط العام الماضي ليصل إلى 65 كليومترا، لكن بدلا من تحقيق التقدم السريع المنشود تعرقل تقدم الرتل العسكري الروسي لأسابيع. ثم اختفى بين عشية وضحاها.

خطة سير الرتل

وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، فقد أظهرت خرائط ووثائق روسية أسباب الفشل المذهل للرتل الروسي في مهمته، فقد "كان في الواقع عبارة عن عشر وحدات منفصلة من الكتائب الروسية المقاتلة على خلاف ما جاء في العديد من التقارير الإعلامية في ذلك الوقت".

وتظهر وثيقة روسية عرضها التقرير الجدول الزمني للهجوم الروسي حيث كانت الأوامر تنص على عبور الكتيبة الأولى إلى أوكرانيا في الساعة الرابعة صباحا يوم 24 فبراير/ شباط العام الماضي والتقدم مباشرة إلى كييف والوصول إليها بحلول الساعة 14:55.

خطة بوتين على المستوى عرضت الجنود الروس للخطر لافتقارهم إلى الطعام والوقود والخرائط وأجهزة الاتصال المناسبة

ثمن فادح

يقول المعهد البريطاني للخدمات المتحدة، إن الرئيس بوتين فرض السرية تامة على خطة الهجوم على كييف لتمكين الجنود الروس من تحقيق تفوق عددي على القوات الأوكرانية بنسبة 12 مقابل 1 في شمال كييف.

سرية خطة بوتين كانت ناجحة للغاية في البداية حتى إن معظم قادته لم يتلقوا الأوامر إلا قبل 24 ساعة من الغزو لكن السرية التي اعتمدها كانت لها ثمن فادح.

ويوضح المعهد، أن خطة بوتين على المستوى العسكري عرضت الجنود الروس للخطر لافتقارهم إلى الطعام والوقود والخرائط وأجهزة الاتصال المناسبة ونقص الذخيرة بالإضافة إلى أنهم لم يكونوا مستعدين بشكل كاف للشتاء القاسي.

الرتل العسكري الروسي تعرض لمئات الهجمات وهو يعبر بالقرب من البلدات والقرى في أنحاء المنطقة المحيطة بكييف

كما أن المركبات الروسية المدرعة لم تكن مجهزة بإطارات مناسبة، ووجدت نفسها محاطة بالثلوج ووقعت مباشرة في حمام من الطين مما اضطر الجنود الروس إلى طلب المساعدة من المزارعين الأوكرانيين لسحب دباباتهم العالقة في الطين واستخدام الطرق المعبدة ما أجبر الآلاف من المركبات على التجمع في رتل واحد عظيم الامتداد، وكثيف الازدحام.

واضطرت الآليات الروسية إلى تجنب الحقول والتحرك عبر الطرق الرئيسية شمالي كييف.

وعندما وصل طول الرتل الروسي إلى 65 كيلومترا، كان يضم نحو 1000 دبابة و2400 عربة مشاة ميكانيكية و10 آلاف فرد من الجنود، إضافة إلى العشرات من شاحنات الإمداد التي تحمل الطعام، والوقود، والذخيرة.

وبحسب خبير عسكري، فإنه "لا يمكن أبدا التحرك في رتل طويل داخل منطقة معادية".

مقاومة شعبية

نفاذ الطعام والوقود أعاق تقدم القوات الروسية شمال كييف نتيجة التقليل من شأن خصمهم عندما وضعت الخطة، في حين كان المتطوعون الأوكرانيون في بلدة بوتشا، ومعظمهم من المتقاعدين، يستعدون منذ ثلاثة أيام لوصول الرتل الروسي العظيم.

وأزال سكان المنطقة جميع اللافتات الطرقية، وأقاموا نقاط تفتيش، وأعدوا مئات القنابل الحارقة، وكان كل 12 متطوعا لديهم مدفع رشاش واحد.

وفي صباح يوم الأحد، دخلت الدبابات والمركبات الروسية البلدة، وقاتل المتطوعون القوات الروسية، وهاجموا الدبابات الروسية طوال نحو نصف ساعة بالأسلحة القليلة التي كانت لديهم.

وذكر التقرير، أن الرتل العسكري الروسي تعرض لمئات الهجمات وهو يعبر بالقرب من البلدات والقرى في أنحاء المنطقة المحيطة بكييف، سواء من قبل مدنيين مسلحين بأسلحة محلية الصنع أم من قبل جنود المشاة والمدفعية الآلية.

لكن العامل الحاسم كان الأسلحة الأمريكية والبريطانية المضادة للدبابات ومسيرات بيرقدار التركية التي ساعدت في وقف الزحف الروسي نحو كييف من خلال شن الضربات الدقيقة ونصب كمائن للنقاط الضعيفة على طول طرق اقتراب الرتل.

وأظهرت تلك التطورات الميدانية عجز القوات الروسية بشكل متكرر عن اتخاذ قرارات ديناميكية على الأرض.

خطة بوتين السرية لم تسمح للقادة الروس على الأرض بالإطلاع على الخطة الأشمل للمعركة ككل، كما كانت أدواتهم في تحديد المواقع وتوجيه مسار التحرك قديمة بشكل واضح.

وخلال العام الذي أعقب الغزو، تم العثور على خرائط تركتها القوات الروسية تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

وتوجد اليوم بلدات أوكرانية كاملة، لم تكن موجودة على الخرائط التي استخدمها الروس للتنقل. كما تم العثور أيضا على أعلام إشارات خاصة بلغة السيمافور، التي تستخدم للتخاطب عن بعد، وهي طريقة قديمة جدا للتواصل بين الوحدات.

في المقابل، كانت إحدى الخطط التكتيكة الناجحة التي اعتمدتها المقاومة الأوكرانية هي تفجير الجسور والسدود قبل وصول الرتل الروسي إليها، وبالتالي إجبار الروس على اتخاذ مسار جديد اعتمادا على الخرائط القديمة، ووسائلهم المحدودة للاتصال مع قيادتهم العليا، وتكررت إصابة الوحدات الروسية بالشلل بسبب التردد في اتخاذ القرار.

وتُظهر العديد من الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية المركبات الروسية، وهي تتحرك في مسارات دائرية مغلقة.

التوقف

توقف الرتل الروسي أخيرا، وقد شُل تقدمه خارج حدود مدينة كييف تحت ضغط الضربات الجوية والمدفعية الأوكرانية. وكانت تلك التجربة مروعة بالنسبة لآلاف المدنيين الذين يعيشون بالقرب من موقع تواجد القوات الروسية.

ويقول شاهد عيان"لقد نهبوا كل شيء ومن كل مكان. أفرغوا المتاجر، كما استخدموا المدنيين كدروع بشرية".

ولا يزال ما حدث في العديد من القرى والبلدات في شمال وغرب كييف قيد التحقيق من قبل العديد من الجهات الرسمية، ومن ضمنها المحكمة الجنائية الدولية، بحثا عن أدلة على ارتكاب جرائم حرب.

لكن بعد أربعة أسابيع طويلة، بدأ الروس في النهاية بالانسحاب.

وهُزمت كتيبتان من أضخم الكتائب الروسية التي لم تنسحب بالقرب من مطار هوستوميل. ودمرت المدفعية الأوكرانية 370 شاحنة عسكرية مهجورة تركتها القوات الروسية خلفها في قرية زيدفيزفايفكا.

وواصل الجيش الأوكراني دحر القوات الروسية حتى 19 مارس/آذار، وبعدها انسحب الروس تماما من كامل المنطقة المحيطة بكييف، والتي تسمى كييف أوبلاست.