أجمع العلماء على مشروعية عقد القرض، ومستندهم القرآن والسنة الصحيحة والإجماع، وأن المصاريف والنفقات الفعلية المترتبة على الاقتراض يقع عبؤها على المقترض، وبينت السنة النبوية الشريفة أن جزاء القرض أفضل من الصدقة عند الله.

ويعرف عقد القرض بأنه عبارة عن دفع مال مثلي لآخر ليرد بدله، والغرض منه معونة المقترض وتفريج كربته بمنحه منافع المال المقرض مجاناً مدة من الزمن، ولا يجوز أن يكون سبيلاً للاسترباح وتنمية رأس مال المقرض.

والإقراض يعتبر من السنن الأكيدة للآيات الكثيرة أي المفيدة للثناء على المقرض كآية (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً) والأحاديث الشهيرة كخبر مسلم «من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» و«الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه».

روى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: يا رسول الله، لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً. فقال: أعطه فإن خير الناس أحسنهم قضاءً، رواه مسلم.

وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يقرض مسلماً مرتين إلا كان كصدقة مرة. وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر. فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. رواهما ابن ماجة. وأجمع المسلمون على جواز القرض.

ينعقد القرض بالإيجاب والقبول وبكل صيغة تدل على المقصود وتنبئ عنه، ويشترط في المقرض أن يكون من أهل التبرع أي حراً بالغاً عاقلاً راشداً غير محجور عليه ولا يشترط أهلية التبرع في المقترض بل يشترط فقط أهلية المعاملة بأن يكون متمتعاً بالذمة المالية.

ولم يختلف الفقهاء في اشتراط معلومية المال المقرض لصحة القرض، وذلك ليتمكن المقترض من رد البدل المماثل للمقترض، واتفقوا على صحة القرض إذا كان المال المقرض من المثليات (لأن الواجب رد المثل) وأن يكون معلوماً قدراً ووصفاً؛ ليتمكن المقترض من رد البدل المماثل.
اشتراط توثيق دين القرض

يصح الإقراض بشرط توثيقه برهن وكفيل وإشهاد وكتابة، فإن لم يَفِ المقترض بشرطه كان للمقرض حق الفسخ، ولا يحل للمقترض التصرف فيما اقترضه قبل الوفاء بالشرط.

واختلفت أنظار الفقهاء في حكم اشتراط وفاء القرض في غير بلد القرض، فذهب الحنفية والشافعية إلى عدم الجواز. وبذلك قال الحنابلة فيما لحمله مؤونة ومنعه المالكية في غير حالة الضرورة. أما ابن تيمية من الحنابلة فقد ذهب إلى جوازه.

اشتراط الزيادة للمقرض

أجمع الفقهاء على أن القرض بشرط زيادة قدر أو صفة للمقرض حرام، وأن تلك الزيادة ربا، وإذا اشترط في عقد القرض أن يرد المقترض أنقص مما أخذ قدراً أو وصفا؛ فالشرط لاغ والعقد صحيح، وإذا اشترط في عقد القرض أن يرد المقترض المال المقترض بعينه فالعقد صحيح والشرط فاسد.

كما ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز مسألة (أقرضني بشرط أن أقرضك) أي اشتراط قرض آخر من المقترض للمقرض في مقابل القرض الأول، وقالوا بفساد هذا الشرط مع بقاء العقد صحيحاً.

وذهب جماهير الفقهاء إلى أنه لا يجوز أن يشترط في القرض أن يبيع المقرض للمقترض شيئاً أو يشترى منه شيئاً أو يؤجره أو يستأجر منه ونحو ذلك؛ لأن ذلك ذريعة إلى القرض الذي يجر نفعاً للمقرض.

مصاريف الإقراض

المصاريف والنفقات الفعلية المترتبة على الاقتراض، قبضاً ورداً للبدل، وتوثيقاً للدين،ً وإجراء وتنفيذاً للعقد منذ بدايته إلى نهايته يقع عبؤها على المقترض دون المقرض، ويرى جمهور الفقهاء أن دين القرض حال غير مؤجل، وللمقرض المطالبة به في أي وقت شاء عقب الإقراض، كسائر الديون الحالة، وخالفهم المالكية في ذلك ورأوا أنه مؤجل أصلاً (من غير اشتراط التأجيل) إلى قدر ما يرى في العادة أن المقترض انتفع به.

توثيق دين القرض الكتابة والشهادة

توثيق دين القرض بالكتابة والشهادة إذا لم يكن مؤجلاً ليس واجباً في قول أحد الفقهاء، أما إذا كان مؤجلاً فقد ذهب ابن حزم إلى وجوب توثيقه بهما، وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وجوب ذلك.

هدية المقترض للمقرض

اختلف الفقهاء في حكم الهدية غير المشروطة يقدمها المقترض قبل الوفاء، فذهب جماعة منهم إلى جوازها، ومنعها البعض إذا كان الغرض منها أن يؤخره المقرض بدينه.

وقال بعضهم بعدم جوازها إن لم ينو المقرض احتسابها من دينه أو مكافأته عليها، إلا إذا جرت عادة بذلك بينهما قبل القرض، فعند ذلك تجوز.