وعندما تُشرق أنوار «يوم عرفة» في أجمل رحلة في حياتك، وأنت تستعد لهذه اللحظات الثمينة المُهيبة في الوقت ذاته، في يوم هو من خير أيام الدنيا، وهو ما يُميز العشر الأوائل من ذي الحجة، بأن فيها هذا اليوم العظيم الذي يُباهي المولى الكريم بعباده أهل السموات. عندما تلوح في الأفق القريب أنوار يوم عرفة تتلهف جميع القلوب والكون بأسره لهذا اليوم الجميل، سواء أكان حاجاً على أرض عرفة، أو جلس في موطنه ينتظر الأجر في هذا اليوم العظيم، فهو ثواب جزيل لجميع المسلمين. «وشاهد ومشهود».


فاليوم المشهود هو يوم عرفة الذي تترقبه النفوس، وتتلذذ بأجمل الأذكار وتستشعر القرب من الديان، قال صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». فخير الدعاء والذكر في هذا اليوم العظيم، نردده منذ الصباح الباكر وحتى مغيب شمس يوم عرفة.

قال عليه الصلاة والسلام: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك». وفيه أجر خاص لغير الحاج: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده».

الله.. ما أجمل هذا اليوم.. فطوبى لمن استثمره في الذكر والدعاء والخير والصيام وأعمال الخير.. أما أنت أيها الحاج فما زلت تترقب تلك الأنوار.. ومازلت تتهيأ لهذا اليوم العظيم الذي قدمت من بلادك لأجله، «فالحج عرفة» كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخطواتك في أجمل «رحلة» قد قرُب وقت أثرها في أجمل محطة على الإطلاق، وحان وقت القرب من خالقك ومولاك، في يوم وحيد يتنزل فيه المولى إلى السماء الدنيا ويدنو من عباده الذين أتوه شُعثاً غبراً.

استثمر وقتك فيه بالدعاء والإلحاح، استقبل القبلة في خيمتك وارفع أكف الضراعة مُبتهلاً لمولاك مُقتدياً بخير خلق الله صلى الله عليه وسلم. بعد الزوال، تفرغ صلى الله عليه وسلم للعبادة والذكر والدعاء إلى أن غابت شمس يوم عرفة. استشعر في هذا اليوم المُهيب عظم الموقف وعظم المكان والزمان، وأكثر من «اللهم أعتق رقابنا من النار». قال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟».

الجميع يترقب أنوار هذا اليوم، والجميع يتذكر كيف حرص الصحابة رضوان الله تعالى عليهم والسلف الصالح على أن يستثمروا السويعات القليلة في خير أيام الدنيا في طاعة الله تعالى والتبتل إليه، فمحروم من استثقل أداء الطاعات في هذا اليوم، ومحروم من الحجاج من انشغل بالنوم والتعب ولهو الحديث. ورد أن مطرف بن عبدالله بن الشخير وبكر المُزني حين وقفا بأرض عرفة، قال أحدهما: اللهم لا تردّ أهل الموقف من أجلي». إنه الرجاء والخوف من العظيم الرحيم الذي فزعت كل اللغات من أجل أن تلبي النداء وتُناجيه بصوت واحد «لبيك اللهم لبيك»، ومن أجل أن تسأله كل الحاجات، لترجع من ذنوبها كيوم ولدتها أمهاتها. هي الغاية الجميلة التي من أجلها جاءت كل النفوس، وهو الأمل الذي ترنو إليه القلوب. تتأمل تلك الوجوه المُنيرة وهي تبكي تبتلاً وخوفاً من المولى الكريم في أعظم المواقف، ترجوه الرحمات والمغفرة في لحظات حاسمات تحس فيها النفوس بقربها من العظيم الديان الذي يدنو منهم ويستشعروا مناداته للملائكة: «أُشهدكم بأني قد غفرتُ لهم».

أما لحظات غروب هذا اليوم الجميل، ففيها الأسرار العجيبة، عندما تجد الوجود وقد تغيرت، بتلك الأنوار المُضيئة، لم لا وقد شملها المولى الكريم بعفوه ومغفرته، واختارها لتكون في ضيافته في أجمل يوم، وقد وفقها لأجمل الدعاء، فأحست بجمال الصورة، وجمال المنظر، فأفاضت من عرفات لتذكر المولى الكريم عند المشعر الحرام شكراً لمولاها أن بلغها مُرادها في أرض عرفات.

هنيئاً لكل من عرف كيف يستثمر هذا اليوم، وهنيئاً بصورة خاصة لكل حاج ستكون كل لحظاته في يوم عرفة لحظات ذكر وطمأنينة وسكينة، وقد جهّز لها قائمة من الدعوات له ولأهله وأحبابه. هذه هي الحكاية الجميلة.. حكاية «يوم عرفة». فحمداً لك يا ربنا وشكراً.

ومضة أمل
اللهم بلّغنا ذكرك وحُسن عبادتك في يوم عرفة.