الحرة

سلّط تقرير لوكالة "بلومبرغ" الضوء على الكلفة الاقتصادية العالية التي تتحملها كييف بسبب لجوء ملايين الأوكرانيات إلى الخارج، منذ بداية الغزو الروسي للبلاد، لافتا إلى أن "عدم عودتهن خلال السنوات القليلة المقبلة، سيعرض الاقتصاد المحلي لتحديات أكبر".



ومع لجوء 2.8 مليون أوكرانية في سن العمل إلى الخارج هربا من الحرب، أوضحت الوكالة أن تبعات هذه الأزمة الإنسانية ستكون مكلفة لاقتصاد البلاد، ما لم تنجح الحكومة في إقناعهن بالعودة، مشيرة إلى احتمالية أن تبقى "هذه الخسائر دائمة".

ولا يُسمح لمعظم الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما بمغادرة البلاد، ما يفسر كون 68 بالمئة من إجمالي اللاجئين الأوكران، نساء.

وقدّر تقرير الوكالة أن استمرار الوضع الحالي وعدم عودة اللاجئات الأوكرانيات بالخارج، سيكلف الاقتصاد حوالي 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، لفترة ما قبل الحرب.

وأشار إلى أن هذه النسبة تمثل 20 مليار دولار سنويا، أي أكثر من حزمة المساعدات السنوية التي اقترحها الاتحاد الأوروبي لدعم الاقتصاد الأوكراني خلال الأربع سنوات المقبلة، والبالغة 13.9 مليارا.

في هذا السياق، قالت نائبة وزير الاقتصاد الأوكراني، تيتيانا بيريزنا: "بالنسبة لي شخصيا، النصر هو عندما تجتمع العائلات في أوكرانيا، وليس بالخارج"، مشيرة إلى أن "أكبر مهمة الآن بالنسبة للحكومة الأوكرانية، فعل كل ما يمكن حتى تعود النساء والأطفال إلى أزواجهن ويتحدوا من جديد في بلدهم".

وأفادت بيريزنا، بأن حتى قبل الحرب، كان التحدي الديمغرافي من أكبر التحديات التي تواجه أوكرانيا، حيث كان معدل الخصوبة 1.2 فقط، من معدل من بين الأسوأ في كل أوروبا".

وأدى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين، إلى خفض أعداد القوة العاملة والمستهلكين الذين لا يمكن الاستغناء عنهم في خطط التعافي الاقتصادي للبلاد، حيث تطمح الحكومة إلى إطلاق مشاريع إعادة إعمار بعد الحرب، من شأنها أن تضاعف حجم الاقتصاد بحلول عام 2032.

وتؤكد وزارة الاقتصاد، أن أوكرانيا تعاني من نقص يصل إلى 4.5 مليون شخص، فيما يخص اليد العاملة والمستثمرين اللازمين لبلوغ هذا الهدف.

وتسعى الحكومة الأوكرانية إلى سد هذه الفجوة بمزيج من اللاجئين العائدين (60 بالمئة منهم من حملة الشهادات) والمواهب الأجنبية.

ولتحقيق هذه الغاية، تعمل على تقديم حوافز لإعادة النساء إلى سوق العمل، من خلال عملها على وضع قانون عمل جديد ومحاولاتها تضييق فجوة الأجور بين الجنسين، إضافة إلى برنامج تقديم منح لمساعدة زوجات المقاتلين في جبهات القتال الأمامية، لبدء أعمال تجارية.

ويبلغ عدد اللاجئين بالخارج والنازحين داخليا بسبب الحرب، ما يقرب من ثلث السكان البالغ عددهم 37.3 مليون في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة كييف قبل انطلاق الغزو.

وفيما لا يزال بعض النازحين داخل البلاد قادرين على المساهمة في الاقتصاد الأوكراني، بدأ الأشخاص الذين رحلوا إلى الخارج، في الاستقرار والعثور على عمل ودفع الضرائب وزيادة الإنتاج في اقتصاد دول الملجأ.

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي، جيوفاني بيري، لمجلة التمويل والتنمية التابعة لصندوق النقد الدولي، إن المهاجرين من أوكرانيا يمكن أن يشكلوا رأس مال بشريا غير متوقع في البلدان المضيفة لهم مثل بولندا ورومانيا ومولدوفا وهنغاريا.

ويوضح أستاذ علم الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، ومدير "مركز الهجرة العالمية" في الجامعة ذاتها،أن السنوات التي درّس خلالها علم اقتصاد الهجرة والمهاجرين قد علمته أن "المهاجرين يشكلون مكاسب هائلة على المستوى الشخصي ومن المنظور الاقتصادي على حد سواء".

من جهته، يرى أوليغ غوروخوفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة "مونوبانك"، المتخصصة في تقديم خدمات مصرفية، أن "السكان فقط هم من يصنعون الناتج المحلي الإجمالي في اقتصادات الدول"، مبديا مخاوفه في أن "يغادر أوكرانيا المزيد من الأشخاص الأذكياء، والشباب، وخاصة النساء".

وأشارت الوكالة إلى أن من المرجح أن تعود العديد من اللاجئات بمرور الوقت، غير أنها تلفت إلى "ألا ضمانات حول عددهم"، كما أن "إقناعهن بالعودة يصبح أكثر صعوبة كلما طالت مدة الحرب".

وذكرت في هذا السياق، أن عودة نصف لاجئي ونازحي حرب البوسنة التي كانت آخر نزاع عرفته أوروبا سنوات التسعينيات، استغرقت عشرات سنوات، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.