* بطريركية القسطنطينية تعترف بكنيسة أوكرانيا مستقلة

موسكو - عمار علي

أعلن المتحدث باسم الرئيس الروسي، ديميتري بيسكوف، أن "الكرملين قلق إزاء قرار المجمع الكنسي في بطريركية القسطنطينية بشأن منح استقلال للكنيسة الأوكرانية"، معتبراً أن "ما جرى سيؤدي لانقسام في العالم الأرثوذكسي".



وقال بيسكوف للصحفيين بحسب ما نشرته وسائل إعلام روسية، "نحن تحدثنا سابقا لأكثر من مرة أننا قلقون من أن هناك خطط لاتخاذ خطوات قد تؤدي لحدوث انقسام في العالم الأرثوذكسي، ونحن قلقون إلى حد كبير بأنه تم اتخاذ هذه الخطوات".

وتابع بيسكوف "السلطة المدنية في روسيا، دون شك، لا يمكنها التدخل في الحوار بين الكنائس، هي لم تقم بذلك في السابق ولن تقوم بذلك".

وجاء ذلك بعد أن ألغت الكنيسة القسطنطينية القرار الصادر عام 1686 الخاص بتسليم مطرانية كييف إلى بطريركية موسكو، وجاء في نص المجمع الكنسي في بطريركية القسطنطينية المنشور على موقعه الرسمي "إلغاء ما تنص عليه رسالة عام 1686 التي صدرت وفقاً لضرورات ذلك الوقت، حيث تم تخفيف القوانين وإعطاء الحق لبطريركية موسكو بتعيين مطرانية كييف".

كما أبطل المجمع الكنسي كذلك جميع العقوبات التي فرضتها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية على رأس الكنيسة في أوكرانيا.

من جانبه، صرح رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، الأسقف فيلاريت، أن "المجمع السكوني للبطريركية قد أزال عنه الحرمان الكنسي".

وقال فيلاريت في مؤتمر صحفي "من أجل الاعتراف بالأسقفية التي قمت بترسيمها بعد أن لعنت "الحرمان الكنسي"، كان يجب الحصول على قرار بعدم الاعتراف بسياسة تلك اللعنة.. وقد حان الوقت عندما أعاد المجمع الكنسي نشاطي ونشاط الأسقفية والمؤمنين".

والجدير بالذكر أنه في مايو 1992، قام مجلس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية بإزاحة فيلاريت من منصب الرئيس، وفي يونيو من العام نفسه، حرمه مجلس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من الكرامة. ورداً على ذلك، رفض الانصياع للقرارات وقام بإنشاء هيكل سماه "بطريركيه كييف"، وفي عام 1997 قامت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بإنزال الحرمان الكنسي أو ما يعرف بـ "اللعنة" على فيلاريت.

وقبل ساعات، اعترفت بطريركية القسطنطينية بكنيسة أرثوذكسية مستقلة في أوكرانيا، في قرار أثار غضب الكنيسة الروسية ورحب به الرئيس الأوكراني.

وفي بيان صدر في ختام مجمع مقدس استمر يومين في إسطنبول، أعلنت البطريركية "تجديد قرارها المتخذ سابقاً والقاضي بأن تمنح البطريركية المسكونية كنيسة أوكرانيا الاستقلالية" عن الكنيسة الروسية.

وعلى الإثر رحب الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو بالقرار في تصريح تلفزيوني مباشر وقال "اتخذ قرار منح الاستقلالية لكنيسة أوكرانيا. حصلنا على الاستقلالية اليوم".

وأضاف أن "قرار القسطنطينية يعني نهاية الأوهام الامبراطورية لموسكو"، معتبراً أن ما حصل هو "انتصار للخير على الشر وللنور على الظلام".

من جانبها، نددت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بقرار بطريركية القسطنطينية معتبرة انه بمثابة "كارثة" و"انشقاق".

وقرر المجمع المقدس أيضاً إعادة البطريرك فيلاريت دينيسنكو "إلى رتبته في الهرمية الكنسية" بعد النظر في طعن تقدم به ضد قرار بحرمانه أصدرته الكنيسة الروسية.

وبعد استقلال أوكرانيا عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفيتي، أسس فيلاريت الذي كان أسقفاً سابقاً في بطريركية موسكو كنيسة أرثوذكسية أوكرانية أعلن نفسه بطريركاً لها، الأمر الذي دفع موسكو إلى حرمانه.

وقال فيلاريت إن الرعايا الأرثوذكسية التي لن تعترف بالكنيسة المستقلة الجديدة وستبقى مرتبطة ببطريركية موسكو ستظل موجودة ولكن لن يحق لها أن تسمى "كنيسة أوكرانية" بل "كنيسة روسية".

وأكد أن "التوحيد سيتم على قاعدة طوعية من دون أي عنف".

وأوضح بوروشنكو أنه لن تكون هناك "كنيسة دولة" في أوكرانيا وأن الحكومة ستحترم "خيار من يقررون البقاء ضمن الهرمية الدينية التي ستبقى مرتبطة بالكنيسة الأرثوذكسية الروسية".

وأضاف "أن قيام كنيسة مستقلة لا يمكن أن يتم على قاعدة التفرقة والمعارضة والعنف ولن نسمح بذلك"، مؤكداً أن غاية السلطات الأوكرانية ليست "إشعال حرب دينية" في أوكرانيا.

وقرر المجمع أيضاً رفض "البنود القانونية الواردة في الرسالة المجمعية عام 1686" والتي تنص على إلحاق مدينة كييف ببطريركية موسكو.

وخلال المجمع الذي افتتح الأربعاء برئاسة بطريرك القسطنطينية برثلماوس، عرض موفدان للقسطنطينية كانا أرسلا إلى أوكرانيا في سبتمبر الماضي نتائج مهمتهما والاتصالات التي أجروها.

وكان على البطريرك برثلماوس الذي مقره في إسطنبول ويعتبر "متقدما بين متساوين" بالنسبة إلى بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الآخرين، أن يحسم قراره في شأن الاعتراف باستقلالية كنيسة كييف في العالم الأرثوذكسي بناء على طلب رسمي تقدمت به بطريركية كييف وحظي بدعم النواب الأوكرانيين.

واعتبرت مهمة هذين الموفدين إلى كييف والتي لم يتم إبلاغ موسكو بها، بمثابة تمهيد لاعتراف القسطنطينية بكنيسة أرثوذكسية أوكرانية مستقلة.

وكان أحد الموفدين المطران الأمريكي دانيال أكد من أوكرانيا في 17 سبتمبر الماضي أن قرار تأسيس كنيسة أرثوذكسية أوكرانية مستقلة تسعى إليها كييف ويتم الاعتراف بها خارج أوكرانيا، قد "اتخذ" فعلاً رغم المعارضة الشديدة لكنيسة موسكو.

وكانت كنيسة موسكو قلصت علاقاتها في سبتمبر الماضي مع بطريركية القسطنطينية على خلفية علاقات متوترة أصلاً بين الكنيستين، وتوعدت بقطع كامل العلاقات في حال الاعتراف بكنيسة أوكرانية مستقلة.

ويرفض البطريرك الروسي كيريل، حليف الرئيس فلاديمير بوتين، استقلال بطريركية كييف بشدة.

وقال ألكسندر فولكوف المتحدث باسم البطريرك الروسي كما نقلت عنه وكالة ريا نوفوستي الروسية الخميس إن "بطريركية القسطنطينية اتخذت اليوم قراراً كارثياً. بالنسبة إليها أولاً وبالنسبة إلى مجمل العالم الأرثوذكسي في شكل عام".

وأضاف فولكوف "في الواقع، يمكن وصف ما حصل اليوم بأنه تشريع لانشقاق"، معتبراً أن "بطريركية القسطنطينية تجاوزت الخط الأحمر".

وإذا كانت بطريركية القسطنطينية الأقدم، فان كنيسة موسكو تضم أكبر عدد من المؤمنين والرعايا. وستشكل خسارة نفوذها في أوكرانيا ضربة قاسية لأهميتها في العالم الأرثوذكسي.

ورغم أن الكنيسة الأوكرانية الملحقة بموسكو هي الأكبر من حيث عدد الرعايا، فإن مزيداً من الأوكرانيين ينضمون إلى بطريركية كييف.

واظهر استطلاع للرأي أجراه "المعهد الدولي الجمهوري" في الولايات المتحدة بين مايو ويونيو 2018 أن 36 % من الأوكرانيين يعتبرون أنهم منتمون إلى بطريركية كييف مقابل 19 % للكنيسة الملحقة ببطريركية موسكو.

وازداد توتر العلاقات بين الكنيستين مع الأزمة الروسية الأوكرانية التي تجلت خصوصاً في ضم موسكو للقرم في مارس 2014 والنزاع في الشرق الأوكراني الموالي لروسيا والذي خلف أكثر من 10 آلاف قتيل.

وكثف بوروشنكو في الأشهر الأخيرة انتقاداته للكنيسة الأوكرانية التابعة لموسكو وصولاً إلى اعتبارها "تهديداً مباشراً للأمن القومي".