شعرت بالفخر ورفعت رأسي عالياً وأنا أستمع لشاب خليجي يقارن بين النظام الصحي والإداري في مستشفى الملك حمد في البحرين ومستشفى تعليمي في دولته، المقارنة لم تكن كمريض تعالج هنا وهناك، بل كطبيب متدرب عمل في الاثنين، إذ أكد هذا الطبيب الخليجي أنه لا مجال للمقارنة على مدى التقدم والتطور الذي لمسه في مستشفى الملك حمد، وضرب لي مثلاً مقارناً النظام الإداري الصحي هنا وكيف عمل هناك، حين تعامل مع حالتين متشابهتين لمريضين أصيبا بجلطة دماغية وهما في المستشفيين.

ما كان يتطلب من الطبيب المناوب في مستشفى الملك حمد إلا ذكر كلمة واحدة لمسؤولة الجناح وهي «كود ستروك» يعني التصنيف جلطة دماغية، وحالما تذكر «الكود» فإن ذلك يعني سلسلة إجراءات معروفة ومفهومة لكل طاقم المستشفى المعني بهذه الحالة، فلا يتطلب الأمر سوى دقائق معدودة إلا ويكون كل منهم على رأس هذا المريض، من طبيب التخدير إلى الجراح إلى طاقم التمريض.. إلخ، والطبيب المناوب انتهت مهمته هنا، فهناك «كود» أي سلسلة إجراءات محددة لكل حالة، وكل حالة لها طاقم وإجراءات معروفة تم التدريب عليها وقياس مدة تجمع المعنيين بها على رأس المريض تعد من مؤشرات نجاحها، تم ذلك عبر تدريبات تدرب عليها العاملون في المستشفى تقود إلى أن يتحرك المعنيون بالكود تلقائياً حين يصلهم الإعلان.

أما في المستشفى الخليجي الآخر فقد استغرق الأمر لنفس الحالة ثماني ساعات إلى أن تجمع كل المعنيين بها وليس لديهم هذا النظام، بل على الطبيب المناوب الاتصال بكل شخص معني وتجميعهم، مستشفى الملك حمد يتحلى بنظام إداري عظيم رغم أن ميزانية المستشفى الخليجي تبلغ أضعاف المستشفى البحريني، أليس ذلك مدعاة للفخر والاعتزاز بمستشفى يليق باسمه؟

وهنا تبدأ القصة المشابهة لقصة مركز الأورام التي كتبت عنها سابقاً، فهذا الصرح الطبي المفخرة يعاني من ذات المشكلة وهي العجز في ميزانيته ومهدد بتضعضع مستواه ونزول مستوى الخدمات فيه لهذا السبب، مما يعتبر خسارة فادحة للبحرين واسمها وسمعتها التي اكتسبتها بفضل الجهاز الطبي والإداري لهذا المستشفى.

المستشفى بدأ قبل عشر سنوات بميزانية تبلغ 38 مليون دينار وقتها كان يشغل 330 سريراً الآن أصبح لديه 539 سريراً، والسرير في اللغة الطبية يعني طاقم عمل كاملاً يصاحبه وطاقة وأدوية كلها تحتسب مع كل سرير، و ليس سريراً بالمعنى الحرفي فقط، وبدلاً من أن يكتفي المستشفي بعلاج 105 آلاف مريض كما كان الحال في نقطة البداية، أصبح الآن يعالج 400 ألف مريض في العيادات الخارجية، وحتى سكان المحرق الذين يقدم هذا المستشفى خدماته لهم كان عددهم 130 ألف نسمة الآن أصبح 300 ألف نسمة أي أكثر من الضعف.

بعد مرور العشر سنوات زاد عدد المستفيدين وزاد عدد المرضى وزادت التكلفة 50% إنما مع الأسف بدلاً من زيادة الميزانية بما يتناسب مع هذا التضخم والضغط على الخدمات تم تقليصها، فبعد أن كانت 38 مليوناً تقلصت إلى 34 مليون دينار، علماً بأن الرواتب فقط تستهلك 30 مليوناً وفاتورة الكهرباء تقارب 2 مليون دينار والمتبقي 2 مليون المفروض أن يكون للأدوية والتدريب والأجهزة والصيانة، حتى التدريب كانت «تمكين» تساعد بمليون دينار توقفت.

نعلم أن هناك عملاً ضخماً ومجهوداً كبيراً يبذل من أجل توازن المصاريف والواردات، إلا أنه يؤلمنا أن نتنازل عن الصدارة التي تعبنا وكافحنا من أجلها، والتخبط في قياس بعض الأولويات خاصة بعض الأنشطة التي تكلف ملايين وسد العجز في هذا الصرح العظيم يساويها أحياناً، سمعتنا تعني لنا الكثير والإنجاز لا يكون إنجازاً إلا إذا حافظت عليه والزيادة في أسعار النفط لابد أن توظف لهكذا مشاريع.

على ثقة أن من سُمِيَ المستشفى باسمه لن يتأخر على الفزعة كما هي عادته دوماً.