تم تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، في الموعد المقرر، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية. والملفت للنظر أنه ليس هناك نظام سياسي اليوم يشبه نظام الحكم في أمريكا، فهو فريد من نوعه. وينعكس هذا التفرد في كيفية انتخاب الرئيس بطريقة غير مباشرة، بواسطة ما يعرف بالمجمع الانتخابي، ثم في كيفية انتخابه فعلياً من قبل أعضاء المجمع، قبل أسابيع من يوم تنصيبه.

كيف يعمل

المجمع الانتخابي؟

يتحدد عدد أعضاء المجمع الانتخابي لكل ولاية حسب عدد سكانها. وتذهب جميع أصواتهم إما إلى هذا المرشح أو ذاك، كتلة واحدة. ولو افترضنا أن مرشحاً حصل على 51 % من أصوات الناخبين فإنه يحصل على كل المقاعد الانتخابية بالولاية الواحدة، بينما منافسه الذي حصل على 49 % من الأصوات لا يحصل على أي مقعد انتخابي، ويخسر الولاية بالكامل.

التقى أعضاء المجمع الانتخابي في عاصمة كل ولاية على حده، يوم الإثنين 19 - 12 - 2016، وأدلوا بأصواتهم لصالح المرشح الذي نال أعلى الأصوات، كل حسب ولايته. والدارج أن يصوت أعضاء كل مجمع انتخابي، في اقتراعهم الخاص بهم، حسبما صوت الناخبون في ولاياتهم. وجرت العادة أن لا يغيروا الولاء. وقد أرسلوا أوراق التصويت بمغلف مختوم إلى الكونغرس، بالبريد المسجل كما ينص الدستور. وفي اليوم السادس من السنة الجديدة، جرى فرز أصوات المجمع في جلسة مشتركة عقدها مجلسا النواب والشيوخ، برئاسة جو بايدن، نائب الرئيس باراك أوباما، حيث تم فتح المغلفات الواردة من الولايات، وفرز أصوات المجمعات الانتخابية. وأعلن الكونغرس من فاز بأعلى أصوات المجمع، وهو في هذه الحالة دونالد ترامب، رئيساً جديداً للبلاد.

التأثير الإسلامي على أمريكا والظرف التاريخي

هذه الطريقة في اختيار الرئيس هي الأقرب لفكرة «أهل الحل والعقد»، عند المسلمين، الذين يوكل إليهم اختيار الحاكم شرعاً، كما كان نظام الحكم في الماضي. وربما اقتبس مؤسسو أمريكا هذه الفكرة من المسلمين، وانعكست في نظامهم السياسي على شكل المجمع الانتخابي. فالدولة العثمانية كان لها تأثير كبير على أمريكا عند تأسيسها، لكن الناس اليوم لا يلتفتون إلى هذا الجانب. وهناك قوانين كثيرة أخذها مؤسسو النظام السياسي الأمريكي من الدولة العثمانية، الدولة الأولى في العالم آنذاك، كنظام الضمان الاجتماعي الذي اقتبسوه من نظام مماثل كان معمولاً به في الدولة العثمانية، وقوانين أخرى كثيرة.

سبب اقتباس الأمريكيين من العثمانيين هو الظرف التاريخي، حيث كانت بلادهم قد استقلت للتو من الاستعمار الأوروبي، وكانت حانقة على الأوروبيين، فلم يأخذوا من القانون الفرنسي أو من القانون الإنجليزي، ولم يكن أمامهم إلا القوانين العثمانية، فأخذوا ينهلون منها قانوناً تلو الآخر، وهذا ربما يشكل أحد أسرار قوة واستقرار النظام السياسي، في تلك البلاد.

الأدلة كثيرة على تأثير المسلمين على نظام الحكم والقوانين في أمريكا. من ذلك اللوحة الرخامية المعلقة في أروقة محكمة العدل العليا في واشنطن، منذ عام 1935، والتي كرمت فيها المحكمة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، «كواحد من أعظم المشرعين في العالم». مما يدلل على أن حجم القوانين التي اقتبسوها من المسلمين كان كبيراً جداً.

لم يأخذ الأمريكيون قوانينهم فقط من المسلمين، بل حصلوا أيضاً على مساعدات علمية وهندسية. فالزائر لواشنطن لابد أن يمر على جسر عريض على «نهر البوتامك»، ولو توقف عند أحد طرفي الجسر لوجد هناك لوحة مكتوب عليها: «شيد هذا الجسر عام 1840 بمعونة فنية من الدولة العثمانية».

المجمع الانتخابي ومفهوم «أهل الحل والعقد»

تعريف «أهل الحل والعقد»، في التاريخ الإسلامي، أنهم «أهل الشأن من الأمراء والعلماء والقادة والساسة ووجوه الناس» الذين تتوفر فيهم شروط العدل والعلم والرأي والحكمة. ويبدو أن هناك شبهاً كبيراً بين المجمع الانتخابي الأمريكي وبين مفهوم أهل الحل والعقد. إذ إن طريقة اختيار هذا المجمع، حسب النظام الأمريكي، هي أن يسمي كل من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، عدداً من كبار أعضائه في كل ولاية على حده، ليصبحوا هم أعضاء المجمع، فيما لو حصل مرشحهم على أغلبية أصوات الناخبين. وعندما تتم عملية الفرز يتحدد المرشح الحاصل على أعلى الأصوات الشعبية، فيصبح المندوبون الذين حددهم حزبه، في الولاية، هم أعضاء المجمع الانتخابي، الذين سيصوتون له فيما بعد.

تذهب كل أصوات أعضاء المجمع، في الولاية الواحدة، معاً إلى مرشح الحزب الفائز، يوم يلتقون في عاصمة الولاية، للقيام بعملية الانتخاب الفعلية للرئيس الجديد. فالانتخابات العامة هي انتخابات ليست لاختيار الرئيس مباشرة، بل هي لاختيار مندوبين يشكلون «المجمع الانتخابي»، الذي بدوره ينتخب الرئيس. ويحمل أعضاؤه إرادة الناخبين لاختيار الرئيس الجديد، بصفتهم ممثلين عن الشعب. ثم يضفي الكونغرس الشرعية الدستورية على الرئيس الجديد، بعد فرز أصوات المجمع الانتخابي من كل الولايات، ويؤكد تعيينه حاكماً للبلاد.

إذا كان مؤسسو النظام الأمريكي قد اقتبسوا فكرة المجمع الانتخابي من المسلمين، فماذا عن فكرة «البيعة»؟ المعروف تاريخياً أن البيعة معناها أن يختار أهل الحل والعقد رجلاً من المسلمين يتولى الأمر والحكم. فيصبح السؤال هل هو: هل اقتبس الأمريكيون أيضاً فكرة «البيعة» وانعكست عندهم على شكل إجراءات التنصيب التي شاهدناها؟

خلاصة القول إذن، أن تأثير العرب والمسلمين على النظام السياسي في أمريكا يبدو أنه كان كبيراً. فالأمريكيون أخذوا من حضارتنا ما يفيدهم، ويطبقون الآن قوانين كان معمولاً بها لدينا، فارتقوا بواسطتها إلى أعلى مراتب الإنسانية، بينما نحن للأسف تركنا هذه الحضارة، واستغنينا عنها، وها نحن نقبع في أسفل سلم البشرية. فماذا يقول العرب والمسلمون في حالهم اليوم؟ ولينظروا كيف كانوا وكيف أصبحوا، علهم يفيقون من سباتهم العميق!

* كاتب ومحلل سياسي أردني