دخل مصطلح (الخصخصة) حديثاً إلى علم الاقتصاد السياسي وفرض نفسه بقوة كبيرة لكنه على الرغم من ذلك فإنه لا يوجد حتى الآن تعريف موحد له وعلى الرغم من الإقبال المتزايد في مختلف دول العالم المتقدمة والنامية (باختلاف أنظمتها الاقتصادية والسياسية ) على التخصيص لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية واجتماعية محدودة فإنه لا يوجد إلى الآن اتفاق على استخدام مصطلح موحد في اللغة العربية للدلالة على المصطلح الإنكليزي (Privatization) والذي نطلق عليه مصطلح الخصخصة والتي تعني بمفهومها العام عملية التحول من الاعتماد على القطاع العام إلى القطاع الخاص سواءً ملكية أو إدارة وإعطاء دور فعال للقطاع الخاص في الحياة الاقتصادية للمجتمع فالخصخصة مجموعة من السياسات المتكاملة التي تستهدف الاعتماد الأكبر على آليات السوق ومبادرات القطاع الخاص والمنافسة من أجل تحقيق أهداف التنمية والعدالة الاجتماعية حيث تشير الأدلة بشك متزايد إلى أن الأنظمة الاقتصادية الحرة التي تعتمد على آليات السوق والمنافسة تزيد من الكفاءة الإنتاجية وتزيد الجودة وتضمن تقديم سلع وخدمات بأسعار مقبولة وجودة مناسبة وتزداد أهمية هذا العامل عندما نعترف أننا متجهون نحو عالم واحد تلغى فيه الحدود ولا يمكن أن تستمر فيه إلا السلعة الأفضل في الجودة والسعر وهذا لا يتحقق إلا من خلال العمل على خفض التكاليف إلى أدنى حد ممكن مع الاحتفاظ بسوية المنتج والعمل على رفعها وزيادة قدرتها على إشباع الحاجات حيث أن الخصخصة تهدف إلى تخفيض الإنفاق العام للدولة والتخلص من التدفقات الخارجية لاستبعاد الإعسار المالي للشركات العامة المتوقفة عن الإنتاج كما وتهدف إلى زيادة التدفق النقدي الداخل إلى خزينة الدولة من خلال بيع بعض شركات القطاع العام إلى القطاع الخاص وقد كانت الشكوى الدائمة عن الملكية العامة للمؤسسات في العديد من دول العالم هي الإهمال التام من الأجهزة التي تدير تلك المؤسسات في المساءلة أو الكفاءة أو الأداء وعدم الاهتمام التام من الأجهزة التي تدير تلك المؤسسات سواء أكان مبوباً كرأسمال أو حقوق ملكية أو تمويلاً على شكل قروض كما أن التكاليف الرأسمالية والإدارية في ظل الملكية العامة تميزت لينتج مردودا مناسبا على حجم التوظيفات المالية فالخصخصة تؤدي في ظل أسواق مفتوحة إلى القضاء على جميع أنواع التسيب والهدر في الموارد الاقتصادية وتؤدي إلى تخلي الدولة عن التوجهات القديمة التي ثبت عدم جدواها في الحياة العملية وبالتالي تفرغ الدولة للأعمال السياسية مع مشاركة القطاع الخاص في الجانب الاقتصادي والإشراف عليه من خلال خططها العامة حيث يرى البعض أن الخصخصة هي الوسيلة المناسبة لتحقيق مزيد من الحرية الشخصية وإيجاد الحافز الشخصي للإنتاج وتحقيق الانضباط في السلوك أثناء العملية الإنتاجية كما تؤدي الخصخصة إلى القضاء على التلاعب حيث أن القطاع الخاص بشكل عام أقدر على تطبيق مبدأ الثواب والعقاب لأنه ينظر إلى العملية الإنتاجية من منظار العائد المناسب لأي حل مقدم ويؤكد الخبراء الاقتصاديون والمصرفيون على أنه سواء كان البيع لشركات القطاع العام بالكامل عن طريق المزاد أو عن طريق طرح شرائح بنسبة من الأسهم في سوق الأوراق المالية فإن ثمة عوامل عديدة يجدر أخذها بعين الاعتبار لتحقيق الاستفادة القصوى من عمليات الخصخصة فيجب النظر إلى عملية الخصخصة على أنها واجب وطني تحتل الأولوية الأولى في عمليات الإصلاح الاقتصادي وليست عملية تسير بقوة الدافع الآلي وحسب المناسبات ونتائج متابعات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي وينبغي التدرج في دفع شرائح الشركات المزمع طرحها بما تسمح به الطاقة الاستيعابية للسوق تفادياً لما قد يحدث من هبوط في الأسعار من جراء تحميل السوق بأكثر من طاقتها مع ضرورة دراسة وضع العمالة التي سوف يتم الاستغناء عنها وتعويض العمالة المستغنى عنها بشكل مناسب سواء من حصيلة بيع الشركات في إطار عملية الخصخصة أو من خلال إنشاء صندوق للتكافل الاجتماعي فضلاً عن إتاحة الفرصة أمام العمالة الفائضة لإقامة مشروعات صغيرة والتركيز على تسويق برنامج للخصخصة فضلاً عن تسهيل عملية الاكتتاب وإتاحتها للجميع الأمر الذي سوف يفضي إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للبرنامج ويجذب أموال مستثمرين من الداخل والخارج أخيراً لا بد من توفير المناخ الاستثماري الملائم والذي يقصد به مجموعة القوانين والسياسات والمؤسسات الاقتصادية التي تؤثر قي ثقة المستثمر المحلي والعالمي ومن ناحية أخرى يجب أن تعدل بعض التشريعات بحيث يتحقق معها انطلاق القطاع الخاص إضافة إلى ضرورة وجود تشريع حاسم ضد الاحتكار كما أننا نحتاج إلى طفرة إدارية في الجهاز الحكومي تسمح بالتخلص من البيروقراطية المعقدة والإجراءات المطولة المرتبطة بها.

و لكن يبقى السؤال الذي سيسأل كثيراً... هل سيؤدي التخصيص حتماً إلى تحسين الأداء؟.

يعتبر هذا السؤال محوريا في تقويم الأهداف الاقتصادية والموضوعية من عملية التخصيص ذلك أن عملية بيع الممتلكات العامة للقطاع الخاص ليس أمراً هيناً من الناحية السياسية حيث أن هنالك تحفظات كثيرة تثار عادة حول عمليات البيع ومدى نزاهتها وهل سيستفيد منها المقربون من السلطات السياسية أم أنها ستكون خاضعة للرقابة الصارمة من قبل الجهات المعنية..

*محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية