القاهرة - رئيس التحرير وأسماء عبدالله

بعد أن لعب دوراً في تأسيس جهاز المخابرات القطرية خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي، عاد لبلاده ولم يتوقع أن تمر السنون ويكون رد الجميل، حرباً باردة تشنها الدوحة على أشقائها الخليج والدول العربية، تساند خلالها المجموعات الإرهابية دون تراجع أو تصحيح للمسار. هذا ماسرده مؤسس جهاز المخابرات القطرية اللواء محمود منصور في لقائه مع "الوطن" بمكتبه في العاصمة المصرية.

كشف اللواء محمود منصور - الذي سافر إلى قطر العام 1988 ضمن مهمة لتأسيس الكوادر الأمنية القطرية - في حواره طبيعة جهاز المخابرات القطري في الوقت الحالي، معتبراً أن الحل الوحيد للدول العربية إزالة أسرة آل ثاني من الحكم.

واعتبر هدف التوسع هدفاً استراتيجياً مستمراً للنخبة الحاكمة من عائلة آل ثاني وفقاً لمفهوم القرضاوي التي لقنهم إياها في العام 2003، بإمكانية نشأة دولة عربية إسلامية كبرى عاصمتها الدوحة، ويكون الوالي عليها "حمد بن خليفة"، حيث شكل هذا الطرح الذي تبنوه ضرراً كبيراً عليهم وجعلهم يستغفلون الولايات المتحدة الأمريكية عندما صار العمل من خلف الكواليس، لكن الأمر الذي لم تضعه النخبة الحاكمة من آل ثاني في الحسبان أن أمريكا وبريطانيا تسيطران على حسابات العالم وأرصدة قطر فتصل إليها المعلومات كاملة كم سحب؟ ومن سحب؟ وتاريخ السحب. ما يعطي الأمريكيين والبريطانيين المعلومات كاملة حول حركة أموال قطر، وحجم التمويل المقدم لمختلف الجماعات، خاصة تلك الجماعات التي كانت خارج اتفاق الدعم حسب الرؤية الغربية. موضحاً بأن الدعم المالي بدأ يتغير على قطر بعد العام 2003، حيث تحول من سيطرة الأمريكان إلى جماعة الإخوان المسلمين في الدوحة.

نشاط تجسس داخل البحرين

وواصل اللواء محمود منصور حديثه لـ "الوطن" حول التدخلات القطرية في شؤون البحرين قائلاً: "عندما كنا نعمل على تشكيل جهاز الاستخبارات القطرية كنا نحدد أهدافاً واضحة، وكان ولي العهد حينها الشيخ حمد بن خليفة مسؤولاً عن الأمن، وكنت أذهب إلى الديوان الأميري لأقابله شخصياً لأعرض عليه ما لدينا، فكان حمد بن خليفة يصر علينا أن يكون عملنا داخلياً فقط وليس لنا أي شأن في العمل الخارجي. وكانت السيدة حرم الأمير حمد بن خليفة تصدر الأوامر لجهاز المخابرات العامة وتصل إلينا، وضم جهاز الاستخبارات القطرية مجموعة من أبناء القبائل وخريجي الجامعة.

وبعد العام 1995 بدأ العمل التجسسي الفعلي لقطر، حيث كانت لدى القيادة القطرية حزمة من الدوافع المستقبلية، خاصة وأن الدوحة كانت تستند على الولايات المتحدة الأمريكية بهدف إنشاء قاعدة عسكرية البلاد من أجل زيادة شعور قطر بأنها الأقوى في منطقة الخليج العربي، وكان وراء هذا التوجه حمد بن جاسم الذي أصبح متنفذاً وهاجساً في نفس الوقت، حتى كان لا يرفض له طلب".

علاقة استخبارات قطر بالراديكالية البحرينية

وكشف اللواء محمود منصور أن العلاقة بين المخابرات القطرية والحركة الراديكالية في البحرين يقف وراءها علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق المنحلة، إضافة إلى عدد من الشخصيات الراديكالية في المنامة التي كانت قطر تمدها بالدعم المالي، وكانوا يتلقون تعليمات واضحة للحديث بالسوء حول البحرين في قناة الجزيرة.

وأضاف بأن كوادر الحركة الراديكالية في البحرين كانوا يبعثون بعدة رسائل إلى حكومة البحرين من خلال ظهورهم الإعلامي عبر قناة الجزيرة، خاصة تيار ولاية الفقيه، وجماعة الإخوان.

وأوضح منصور أن شعبة الاتصالات في جهاز الاستخبارات القطري كانت تلتقط العديد من المكالمات بين المسؤولين القطريين وشخصيات راديكالية بحرينية تتآمر على البحرين ونظامها واستقرارها، وكان رئيس جهاز الاستخبارات في ذلك الوقت الشيخ حسن بن عبد الله آل ثاني يستمع للاتصالات وهو حزين جداً على هذا التآمر، لكنه لا يستطيع القيام بأي شيء لأنه أقسم على حماية عرش آل ثاني.

علاقة "الأخوان" مع الخلايا الأخرى

وكشف مؤسس المخابرات القطرية، عن علاقة الدوحة بجماعة الإخوان المسلمين في المناطق الأخرى، مشيراً إلى أن جهاز المخابرات القطري، قدم عشرات التقارير عن التحركات المشبوهة للإخوان المسلمين في العمق القطري ودورها الكبير في إسقاط حكومات الدول العربية.

وقال: "ثم ظهر النجم الساطع المفتي يوسف القرضاوي، في الكثير من الصور واللقاءات مع الحاكم في المناسبات العامة والخاصة والاحتفالات الوطنية والدينية، وأصبح أحد النجوم القلائل في المجتمع القطري، وتدرّج القرضاوي في المناصب حتى أصبح مفتيها الرسمى، وأصبح له رأي في الأمور السياسية والعسكرية، وكان وما زال المحلل الديني والسياسي الأول للنظام القطري تحت عباءة الدين، وكان أول من بارك انقلاب حمد بن خليفة على والده عام 1995".

وأوضح أن جهاز المخابرات القطري، قدم عشرات التقارير عن التحركات المشبوهة للإخوان المسلمين في العمق القطري للديوان الأميرى، لكن الشيخ حمد بن خليفة - ولي العهد في ذلك الوقت - منع هذه التقارير عن والده الشيخ خليفة، خاصة بعد أن رصد العديد من العناصر الإخوانية الهاربة.

وتابع "نشطت أجهزة أمنية قطرية أخرى كالاستخبارات العسكرية والمباحث العامة في عهد الأمير الشيخ حمد بن خليفة، لتكون مهمتها الأساسية إقامة علاقات مع عناصر مناوئة لحكومات بلادها وإمدادها بالأموال والسلاح ودعوتها للاستضافة في قطر أو تركيا أو لندن، فتأكد الحَمدان من عدم قدرة الأجهزة الأمنية على تحقيق أهدافهما خارج حدود قطر، وكان الحل في الإخوان المسلمين أو بالأحرى العناصر الإرهابية، فأغرقوا هذه العناصر بالمال والسلاح والمعدات لتحركات شملت أفغانستان، وباكستان، ومصر، والسعودية، والبحرين، والعراق، واليمن، والسودان، والعراق، ودول إفريقية أخرى".

هروب خالد شيخ محمد من قطر

وأكد اللواء محمود منصور أن العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة خالد شيخ محمد كان مقيماً في الدوحة، وارتبط بعلاقات قوية بنظام أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، الذي وفر له ملاذاً آمناً بعيداً عن أعين أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فضلاً عن تعيينه في وظيفة حكومية بهيئة المياه والكهرباء القطرية.

وكشف "لدينا في جهاز المخابرات القطري ضابط في المطار يدعى فرحان عقيل العنزي بلغنا بكشف أسماء المغادرين على إحدى الطائرات التي ستذهب إلى إحدى محطات الترانزيت، وكان على متن تلك الطائرة خالد شيخ محمد، حيث خرج من قطر وليس لدينا علم به".

تأسيس مخابرات قطر 1988

ويستذكر اللواء محمود منصور قصة تأسيس الاستخبارات القطرية، قائلاً: "كلفت من اللواء الراحل عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية الأسبق، بالسفر لقطر وتحديداً في العام 1988 ضمن مهمة لتأسيس جهاز مخابراتي قوي، وذلك بعد أن كانت هناك 13 دولة وأيادٍ خفية تعبث في هذه الدولة النفطية، في وقت كان جهازها الأمني الهزيل لا يستطيع التصدي لأحد".

وبيّن اللواء أن الأجهزة الأمنية القطرية كانت في ذاك الوقت ضعيفة، ولفت انتباهه وجود 13 جنسية مختلفة تعمل فى نفس المكان، وأجرى دراسة للواقع وبعض الاقتراحات والمطالب المتمثلة في استبعاد الجنسيات غير القطرية من الجهاز، على أن يتولى القطريون أنفسهم هذه المناصب الرفيعة، واخترنا كفاءاتٍ قطريةً لتوزيعها على أقسام الجهاز الجديد، وعرضناها على حمد بن خليفة المسؤول عن أجهزة الأمن في ذلك التوقيت، الذي أوصى بالاستجابة لجميع مطالبنا، وبعد نحو 6 أشهر تم تنفيذ جميع مطالبنا، وبدأنا في تنفيذ الاستحقاقات التدريبية والتكنولوجية".

وواصل "ثم تولى الشيخ حسن بن عبد الله الثاني رئاسة الجهاز بمجرد هيكلته وتكوينه، وكان خير عون لما يتميز به من جدية واستقامة وخبرات كبيرة، واستمرت عمليات التطوير في الجهاز، حتى كان التغير الذي حدث فجأة في منظومة الحكم".

وبعد تدريب استمر 8 سنوات في جمع المعلومات وتحليلها، نجح اللواء محمود منصور ورجاله في تحويل إحدى الدوائر الحكومية بالدوحة إلى جهاز مخابراتي قوي، وتدريب المنتسبين للمخابرات القطرية حتى عام 1996، وإثر إتمام المهمة غادر الجنرالات المصريون الدوحة بعدما تمكنوا من خلق كوادر أمنية قطرية مهمة في ذلك التوقيت.

انقلاب حمد بن خليفة على والده

وكشف اللواء منصور سر انقلاب حمد بن خليفة على والده، مبيناً أن لكل فيلم كواليس، إلا أن الكواليس حملت أسراراً كثيرة غير معلنة داخل المخابرات القطرية، ففي 1995 وصلني من سائق أحد مشايخ آل ثاني معلومة خطيرة، وهي أنه سمع حواراً بين الشيخة موزة ومرافق لها يفيد بأن ولي العهد سيزيح والده عن الحكم بعد سفره مباشرة، حيث كان الشيخ خليفة مقرراً له أن يسافر للخارج في رحلة علاجية، فأبلغت الدكتور درويش الفار، وهو من أصول مصرية وكان يعمل مستشاراً للأمير، فنفى الأمر، وقال إنه يعرف جيداً سلوك حمد، وأنه الابن الطيب المقرب من والده، وفي اليوم التالي أفادني ضابط بالجهاز بنفس المعلومة لكنه لم يكن مستعداً لإبلاغ رئيس الجهاز حتى لا يدخل في مشاكل، على حد قوله، ولكوني ملتزماً بقسم الولاء لحاكم البلاد، أسرعت بإبلاغ رئيس الجهاز الشيخ حسن بن عبد الله آل ثاني، فقال لي إنه لا يستطيع إخبار الأمير، وطلب مني ألا أتحدث مع أحد في هذا الموضوع.

وفي يونيو 1995، غادر الشيخ خليفة للدوحة، وشرع الشيخ حمد في مخططه فوراً، سيطرت القوات على القصر الأميري والمطار، واستدعى مشايخ آل ثاني ووجهاء القبائل في الديوان الأميري، وسارع حمد بن جاسم بإصدار أوامر اعتقال بحق 36 شخصاً من مقربي أبيه، مما أسقط الدوحة في أيادي المخابرات الغربية.

ما بعد انقلاب الحكم

وواصل مؤسس المخابرات القطرية حديثه: "في فترة ما بعد الانقلاب طلبت الحكومة القطرية من ضباط الاستخبارات البدء في تنفيذ مهام خارجية شملت السعودية، وتحديداً المنطقة الشرقية منها، والبحرين، وكذلك الكويت. وكانت الإشكالية الأكبر أن الضباط تحفظوا وتعذروا على المشاركة في مثل هذه العمليات، وسبب ذلك أنهم لم يكونوا مستعدين للقيام بهذه المهام التي لم يتدربوا عليها. وكان جهاز الاستخبارات القطرية يفتقد للتدريب والخبرة للقيام بمهام خارجية. لكن الجهاز بعدها بدأ مرحلة خطيرة، عندما قام بتنفيذ سلسلة من العمليات الخارجية وكانت فاشلة، خاصة بعد أن تم استقطاب خدم مجالس شيوخ آل ثاني، وتحويلهم لضباط استخبارات للقيام بالمهام الخارجية مقابل الأموال".

ــــــــــــــــــ

نص في بوكس:

تنويه هام

تنشر "الوطن" تفاصيل جديدة عن الدور والتآمر القطري حول الزبارة وفشت الديبل في الوقت المناسب.