تحت عنوان "التراث والسياحة: المجتمعات المحلية والزوار - تقاسم المسؤوليات"، سجلت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، مشاركة جديدة لافتة لها في المؤتمر العالمي الخامس عشر لمنظمة مدن التراث العالمي "OWHC"، والذي انعقد قبيل عيد الفطر المبارك وخلاله في كراكوف، ببولندا. ما يميز هذه المشاركة هو موضوعها المتمثل بالمحرق – تلك المدينة التي تنتمي إليها عائلتي– وقد قدمت الشيخ مي المحرق أمام حضور المؤتمر باعتبارها نموذجاً للمدن التاريخية المستدامة، مركزة على موضوع صون المدن التراثية -وهو جهد حقيقي يضاف إلى رصيد منجز الشيخة مي التي اعتنت بالمحرق وعمرانها أشد اهتمام.

من الجميل أن تتحدث عن منطقة تشكل العمق الحضاري لأهل بلد ما، وتراقب ردود فعل أهلها المليئة بالفخر والاعتزاز، ولكن الأجمل أن تنسب العمق الثقافي في منطقة عريقة إلى أهله وأن تبرز الصفات الجميلة التي أسهمت في إبراز المحرق كنموذج حضاري وإرث قديم نفخر به حتى اليوم، وهو ما حرصت الشيخة مي على الوقوف عليه في كلمتها بما نصه "حافظ أهل المحرق على هويتهم وانتمائهم لمجتمع حقق منجزات حضارية منذ مطلع القرن العشرين حيث اعتمد اقتصاد المدينة آنذاك على صناعة اللؤلؤ وصيده وتجارته، وقد توجت المحرق باستحقاقٍ عالمي تمثل في تسجيل "طريق اللؤلؤ، شاهد على اقتصاد جزيرة" ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي لليونسكو في 2012".

وكان من الجميل أيضاً وقوف الشيخة مي على دور "طريق اللؤلؤ، وما يمثله من قيمة معنوية ومادية تسرد تاريخ المدينة وشخوصها وتبرز العمارة البحرينية الأصيلة والنسيج المترابط لبيوت المحرق ومبانيها القديمة". وحقيقةً عندما أرى ضياع التراث والعمران القديم والآثار في كثير من البلدان في ظل فوضى الوطن العربي الأمنية والسياسية، أشعر بالفخر أن البحرين ولله الحمد قادرة على الحفاظ على إرثها الحضاري العميق، والاعتناء به، بل وتقديمه للعالم بما يمنحها الثقل الإنساني والحضاري الذي تستحق رغم صغر مساحتها. وما يدعو للفخر أيضاً أنه إلى جانب تقديم صورة البحرين الحقيقية الناصعة للعالم، فقد كان في ذلك فرصة عظيمة للاستثمار تعود على الاقتصاد الوطني البحريني عبر تفعيل "السياحة الثقافية" وهي من أكثر أنواع السياحة الجديرة بالاحترام برأيي.

* اختلاج النبض:

المحرق.. دانة البحرين وجوهرتها كانت وما زالت مصدر فخر وإلهام كثيرون، وما زالت الفضاء الذي نتنفس فيه إنسانيتنا عندما تأخذنا زحمة الحياة ونكاد ننسى من نحن. بقاء المحرق على هويتها الأصيلة ما زال يبعث فيها الامتداد التاريخي العميق إلى المنطقة ويجيش فينا الحنين لزمن البساطة الذي لم تعشه أجيالنا. والأهم من كل ذلك أن الانتماء الذي يبعث على الفخر ليس على المستوى المحلي وحسب، بل على مستوى العالم، وقد فعلتها الشيخة مي عندما دفعت بالمحرق إلى واجهة الثقافة العالمية وتحت أنظارها.