قبل أيام، أوقفتني ”تغريدة“ نشرها أحد الحسابات البحرينية على موقع التدوين المصغر ”تويتر“ تحت اسم ”الهامور“، كتب فيها باللهجة العامية: ”عندنا واحد من الربع وللأسف ساكن في نفس المنطقة، مسمينه (المرض)، عنده قدرة عجيبة غريبة إذا جلس معاك! يمص الطاقة الإيجابية إللي عندك مص! من تجلس معاه خمس دقايق مزاجك يعتفس، بل يومك كله يعتفس! شخص سلبي بإمتياز! يتحلطم ٢٤ ساعة! هالأشكال لازم تتجنبها ولا حتى تشوف وجهه ولا تجلس معه“. انتهت التغريدة.

بصراحة لم أقاوم عدم التعليق هنا، فكتبت تحت التغريدة التالي: ”هناك بشر عندهم طاقة سلبية بداخلهم، لا يرتاحون إلا عندما يصدرونها للناس، وغلطان من يضيع الوقت معاهم. السماء لونها أزرق يحسسونك أنها سوداء وغيومها ستنزل عليك حمماً بركانية. يا أخي الحياة فيها أمور جميلة، نحن نقتلها لما نحصر نظرتنا لها في سلبياتها فقط. هؤلاء البشر اجعل بينك وبينهم أميال“.

ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن النظرة الإيجابية للحياة، وضرورة أن تجتهد اليوم لتبعد نفسك عن كل مسببات الضغط والضيق والقلق، والمشكلة أن العوامل اليوم تطورت، وأعني هنا مسببات السلبية، إذ هي تعدت الظروف والوضع المحيط بك، سواء مهنيا أو اجتماعيا أو بشكل عام، بل وصلت لمرحلة أخطر، إذ هذه المسببات تتمثل اليوم على هيئة أشخاص.

هؤلاء الأشخاص هم متخصصون في ”فن التنكيد“، هوايتهم التنقل في المجالس أو أروقة العمل، أو حتى عند زيارتهم لكم في البيوت، وقلب الأبيض إلى أسود، وتحويل يومك الجميل إلى كئيب.

هذه النوعية من البشر لديها قدرات خارقة في ”تخريب“ كل صورة جميلة أمام عينيك. وتخطئ كل الخطأ حينما تحاول وبحسن نية مشاركتهم في أفكارك، أو خططك المهنية أو الحياتية، وتكون المصيبة حينما تقوم باستحسان شيء أمامهم، إذ هم لا ينظرون له كما تنظر إليه بصورة جمالية، بل تركيبتهم قائمة على البحث عن الثغرات، وعن النقاط السوداء في الصورة.

شخصيا مررت بتجارب كثيرة مع أشخاص مثل هؤلاء، والله يملكون قدرة لتغيير مزاجك في ثانية، بل إن سمحت لهم أثروا عليك، بحيث تصل لمرحلة تكره فيها الأشياء التي كنت تراها جميلة. وأخطر نوع هم الموجودين في أماكن العمل، إذ تخيل ذهابك في الصباح الباكر للعمل وأنت مفعم بالطاقة والنشاط، وطوال الطريق تفكر وأنت تسوق سيارتك في أمور ستقوم بها، وأفكار ستقدمها بطريقة إبداعية، وبمشاريع جديدة تفكر في طرائق تنفيذها بذكاء، وإذ بك تصطبح بأحد هؤلاء ”محترفي النكد“، وما هي إلا دقائق معدودة حتى يقلب نهارك ليلا، ويحولك من شخصية متفائلة إلى أخرى متشائمة، وبالتالي ينتهي يومك قبل بدايته.

من خلال التجربة أيضاً، وربما لتقدم العمر ميزته أيضاً بشأن تقييم الأمور، والتعامل معها بهدوء وتريث وعقلانية، من خلال التجربة أنسب طريقة للتعامل مع مثل هذه الشخصيات يتمثل بالابتعاد عنهم أقصى قدر ممكن، لا تجعل دروبك تتقاطع معهم، وإن فرض عليك الواقع التعامل معهم في أمور معينة، ركز على العمل ولا تترك أذنك مفتوحة لهم، وحتى لو تركتها الأهم لا تتأثر بما يقولونه، دائما تذكر أن كل شخص ينظر للحياة بمنظوره، فالمتفائل يرى الحياة واعدة حتى لو كانت ظروفه صعبة، بالتالي الابتسامة والرغبة في الفرح أهداف أصيلة في يومه، لكن المتشائم هو ”الصيد“ المناسب لهؤلاء النكديين، وللتوضيح هؤلاء متعتهم التنغيص على البشر، وإدخالهم في مراحل من البؤس والسلبية.

بعضهم قد يفرض عليك الواقع معايشته يومياً، هنا طبق معادلة ”أذن من طين وأخرى من عجين“، استمع وكأنك لا تستمع، بل وحاول وأنت تستمع أن تبتسم وأنت تشفق عليه، لأنه ينظر للحياة من وراء نظارات سوداء.

ونصيحتي الأخيرة لكم، لا تحاولوا إصلاح نظرة المتشائمين، رغم أن بعض المحاولات قد تنجح، لكن الواقع يفيد بأن هؤلاء متعتهم في ”ممارسة النكد“، وأكثر ما يزعجهم رؤية الآخرين سعداء وإيجابيين، بالتالي يبحثون عما يعكر صفو الناس، هؤلاء لا تضيعوا وقتكم بإصلاحهم، بل أبقوهم أمام أعينكم، واشكروا الله أن الله عافاكم مما ابتلاهم، فما هم إلا بشر يعانون من مرض خطير، مرض يحرمهم من تقدير النعم الكثيرة حولهم، مرض يعجزهم عن السعادة بصدق، ومرض يجعلهم يكرهون رؤية الآخرين يعيشون بسلام ورضا.

اجعلوا شعاركم التالي لتعيشوا في هناء ”خبراء النكد، أنتم غير مرئيين بالنسبة إلينا“.