من أسباب ضعف العروبة في الجزء الأول من عصور الانحطاط الراهنة، أن ما سمي بـ»القومية العربية» حاربت القبيلة رغم أنها مخزون العروبة الحقة، حيث همشت تلك القومية بخبث قبيلة جزيرة العرب وسفهت قيمها وضخمت بداوتها رغم أن أبناءها فيهم أحفاد الصحابة ومضاربهم منبع العروبة والإسلام وحديثهم مفردة لهجات العرب العاربة. لقد كانت قومية الناصريين والبعث العربي وحركة القوميين -من عفلق إلى حبش، لوديع حداد، إلى قسطنطين زريق- جمعاً لمن ليس فيه خير، وما عافه الطير، لوصوليتهم السياسية ولعدم اجتماع العروبة والإسلام عندهم. وفي الجزء الراهن من عصرنا زادت رفاهية التنقل لشاتمي العرب، وذريعتهم الوحيدة أننا خسرنا حرب 48 وحرب 67 مستمتعين دون حساب بترديد دونية العرب والاستهزاء بهم، بل وصارت الخليجية اختزالاً للعروبة أو الأعراب أو البدو. ثم جاء الربيع العربي كأفضل الذرائع للتهجم على العرب، ففي الحرب في سوريا لم نعد عرباً وصرنا أعراباً، وعلت صيحات عودوا إلى خيامكم وإبلكم. ثم تحولنا على ألسنتهم من إبل إلى أبقار يحلبها ترامب، وصرنا نشتم في وقت يتغنى فيه عرب -لا أب لهم- بحضارة فارس وعظمة العثمانيين، بل إن هناك همهمات بهيمية لقطيع التطبيع تقول بالشرق الأوسط الكبير في تعويم ممنهج لتذويب العروبة.

من جانب آخر نجد أن جل من يحقر العرب هم جماعة يعيشون بيننا ويحملون أسماءنا ويكتبون بلغتنا ويضللون الأجيال الشابة التي سحرها إبداعهم الأدبي والفني الذي يسخرونه لبث سموم كره وتحقير العرب، وهم أهل فكر الشعوبية كحركة تتبنى كل اتجاه مناوئ للعروبة منذ القرن الأول الهجري، حيث استغل الشعوبيون مساواة لا فضل لعربي على أعجمي في الإسلام في الوصول لمرتبة صناع القرار وطعن العروبة.

الحقد على العرب جحود لا يأتي من قلب مؤمن ونكران لشجرة العروبة التي يستظلون بها، بل حاول العرب منذ 15 قرناً على دمجهم في أغصانها، حيث اعتبر العرب أنفسهم أن مصطلح «العرب» يشمل كل أبناء النموذج الحضاري الذي نشأ تحت مظلة اللغة العربية والدين الإسلامي، فمعظم من يشتركون في صفة العروبة هم شعوب تخلت طوعاً عن إرثها الحضاري لصالح العروبة. وهذا ما يوجب العودة للأصول وتجاوز «قومجية» القرن الـ20. وعليه فكل من يتحدث العربية ويدين بالإسلام فهو عربي.

وكما يبدو في وسائل التواصل الاجتماعي مازال تحقير العرب يتجدد زخمه حتى صار أمراً لا يستنكره الشباب العربي أنفسهم الذين أورثهم آباؤهم الرايات المنكسة والانكسار، مما يوجب الدفع بظهور «العروبيين الجدد» بدون هيكل تنظيمي أو شعارات فارغة طلباً للسلطة، بل للرد على كل متهجم على العرب. ومخطئ من يعتقد أن ما نكتب منعزل أو تغريد خارج السرب، فهناك حصون عربية ثقافية كثيرة كمؤسسة الفكر العربي والمعهد العربي للأبحاث، ومجلس العلاقات العربية والدولية، فحركة العروبيين الجدد تشمل كل من تأخذهم الغيرة على أصولهم ولغتهم العربية لغة الإسلام وتشمل كل من يرى الانهزاميين والشعوبيين الجدد كسرطان يعيش بين خلايانا كعلة باطنية لا علاج لها إلا بالاستئصال، ووقفهم عن الاستهزاء بالعرب، وتنوير الأجيال الشابة عن تبني مفردات جلد الذات والتشرب بروح الهزيمة.

* بالعجمي الفصيح:

فقط عند انسيابه ليضيع في ملوحة البحر، يتذكّر النهر مَنبعه، والخليج وجزيرة العرب من معاقل العروبة والمنبع الذي يجب أن يدعم حركة العروبيين الجدد، فمنهم أحفاد الصحابة وأرضهم موطن قبائل العرب ومنبع الإسلام.

* كاتب وأكاديمي كويتي