في ظل عالم متغير ومعتمد على التقنيات الحديثة في إدارة شؤونه، يتسابق العلماء ومن خلفهم شركات كبرى وحكومات، للإمساك بنواصي التقدم التكنولوجي، إيماناً بأن السيطرة على هذا القطاع والريادة فيه ستفتح آفاقاً أكبر لتحسين مستوى حياة البشر، الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.. حيث بات ما يعرف بـ»الذكاء الاصطناعي» إحدى الأدوات الهامة للولوج إلى المستقبل.

ويشير مصطلح الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام، والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استناداً إلى المعلومات التي تجمعها. فالذكاء الاصطناعي أحد فروع علم الحاسوب، ويعرفه كثير من العلماء بأنه «دراسة وتصميم العملاء الأذكياء»، والعميل الذكي هو نظام يستوعب بيئته ويتخذ المواقف التي تزيد من فرصته في النجاح في تحقيق مهمته أو مهمة فريقه.

هذا التحول العالمي والتطور التكنولوجي، فطنت له مملكة البحرين مبكراً، فسعت عبر مبادرات وتوجهات رسمية وأهلية إلى سبر أغوار هذه العلوم، وتهيئة الظروف والبنية التحتية والكوادر المتخصصة، فكان لها الريادة إقليمياً وعالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي وتقنية المعلومات، والذي يمثل أحد أهم الأنشطة الاقتصادية ويستقطب كبرى الشركات العالمية.

وحظي موضوع الذكاء الاصطناعي باهتمام خاص من لدن حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، حيث وجه جلالته خلال افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس إلى «وضع خطة وطنية شاملة تؤمن لنا الاستعداد الكامل للتعامل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، بتبني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الإنتاجية والخدمية، من خلال وضع الأنظمة اللازمة، واستكمال البنى التقنية، وتشجيع الاستثمارات النوعية، لضمان الاستفادة القصوى من مردود ذلك على اقتصادنا الوطني».

وامتثالاً للتوجيه الملكي السامي، تقدم 5 نواب تتقدمهم معالي رئيسة مجلس النواب باقتراح برغبة بشأن تأسيس مركز متخصص لدعم المخترعين، كما وافقت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالمجلس النيابي في نوفمبر الماضي على الاقتراحين برغبة بشأن إنشاء مركز وطني لدعم مشاريع الابتكار في الذكاء الاصطناعي، ومقترح بإنشاء مدينة للذكاء الاصطناعي.

وكان لمملكة البحرين الريادة في إنشاء أكاديمية للذكاء الاصطناعي، كخطوة تهدف إلى تطوير متخصصين من الشباب يسهمون مستقبلاً في تطوير الاقتصاد وتوفير منصة لتعزيز قدرات الابتكار، كذلك مسابقة «لنبتكر للمستقبل» التي تقام برعاية ودعم كبير من سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، تأكيداً بأن البحرين تزخر بالشباب المبدع صاحب القدرات والإمكانيات العالية، والرواد في مجال الابتكار إسهاماً في تنمية مختلف المجالات التي تفيد وتطور المجتمع.

وجاء إطلاق أكاديمية الذكاء الاصطناعي، كثمرة تعاون بين صندوق العمل «تمكين» وكلية البحرين التقنية «بوليتكنك البحرين» وشركة مايكروسوفت، لإدراج تخصصات الذكاء الاصطناعي في المنظومة التعليمية في المملكة، إذ توفر الأكاديمية منهجاً متكاملاً يحوي مسارات تقنية عدة، من ضمنها، تخصصات الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات وتحليلها وأساسيات التعلم العميق للآلات، وحسب مختصين فإن الأكاديمية تجسد خطوة استراتيجية أساسية على طريق تعزيز موقع المملكة في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتأهيل صف ريادي وتأسيس قاعدة من الخبرات المتخصصة والكفاءات والكوادر البحرينية في المنطقة.

ومما يؤكد ريادة المملكة العالمية في مجال التقنيات الحديثة، ما تم الإعلان عنه خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي «الأبطال الجدد» في مدينة داليان الصينية، بأن مملكة البحرين ستتولى الريادة في تطبيق واختبار النموذج الإرشادي والتجريبي الجديد لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال المشتريات الحكومية، والذي صممه مركز الثورة الصناعية الرابعة بالمنتدى الاقتصادي العالمي، وعلى إثر هذا الإعلان تمت إقامة ورشة في المنامة ضمت القطاعين العام والخاص، من أجل مناقشة مستقبل المشتريات الحكومية في ظل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بمبادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي وبالشراكة مع مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين وهيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية.

وأخيراً، فإن حكومة البحرين تدرك أهمية امتلاك المعرفة اللازمة والمدعومة بالقوانين والإرشادات المتعلقة بحلول الذكاء الاصطناعي للمشتريات الحكومية، حيث يوفر النموذج الإرشادي والتجريبي الجديد لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال المشتريات الحكومية الفرصة للتعلم وتعميم الاستفادة من حلول الذكاء الاصطناعي، إذ تضمن النموذج طريقة مبتكرة وموثوقة لعمليات المشتريات الحكومية وذلك بالرجوع إلى الخبراء في هذا المجال، وسعياً نحو تعظيم استفادة المجتمع من العلوم والتكنولوجيا.