تلك المدينة قديمة بما تحتويه من عبق الماضي وأصالته تكتنز شوارعها بالجمال والروعة لكن روعتها لا تكمن في أشجار ونخيل وخضرة بل في أزقة تحمل في طياتها ذكريات أيام صنعتها أجيال عريقة، أزقة تحمل ذكريات أجيال جمعتها المحبة والترابط والتكافل، في أروقتها تكاد تسمع أصوات نشيد أطفالها، وقعقعة ألعابهم القديمة «الدحروج، والتيلة، والقلينة والماطوع»، وذكريات تجمعات أهل الحي في البراحات لكأنك تسمع أحاديثهم، حواراتهم، وتذكر مواقف صنعوها تحمل في طياتها كل معاني القيم الاجتماعية والأخلاقية. تلك الأزقة القديمة تمسك بها أهل المحرق لتبقى ذكرى وشاهداً على عصر يتسم بجماله وبساطته.

تلك المدينة القديمة تحافظ على قدمها وأزقتها رغم حداثة بعض مناطقها وكأن الأزقة هوية أبت أن تغادر تلك المدينة، فبعض مناطقها الحديثة لازالت تتسم بضيق طرقها وممراتها، وكأن أهلها قد ألفوا تلك الأزقة واعتادوا.

تلك المدينة القديمة التي لا يغادرها أهلها وإن غادروا أعادهم لها الشوق والحنين رغم ضيق أزقتها فيتنفسوا هواءها الطيب النقي كتعلق الصغير بأمه، تلك المدينة القديمة لم ترفض الحداثة ولم تغلق أبوابها في وجه التقدم، فها هي السيارات، والحدائق، المجمعات التجارية تستقر بها ويتقبلها أهلها لكن تلك المدنية لم تنسهم أزقة المحرق الحديثة منها والقديمة.

فها هي اليوم مدينة المحرق تزداد في كثافتها السكانية، وتكتظ بالسكان، فيتنوع سكانها، منهم أهل المحرق الأصليين الذين سكنوها أباً عن جد، ومنهم من انتقل إليها من مدينة أخرى، وكثير منهم من أبناء الجاليات المختلفة، عرب وأجانب، يدينون بديانات مختلفة، ويتحدثون بلغات ولهجات مختلفة، وبالرغم من ذلك هم يتعايشون وينسجمون ويتناغمون، إنه نسيج اجتماعي من نوع خاص، نوع يجعلك تشعر كأنك ترى قطعة نسيج مميزة أبدعتها يد صانع ماهر، فهي مثل يحتذى به وأنموذج في التعايش.

لكن تلك الأزقة باتت تشكو ضيق الحال، حيث بدأت تكتظ بالسيارات حتى أن المارة بدأوا يفقدون الإحساس بجمال هذه المدينة العريقة، تلك الأزقة تذكرك بمدينة قديمة أخرى تقع هناك في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، تمتاز بضيق شوارعها لكن أهلها أبو أن تطأ إطارات السيارات شوارع أزقتها إنها مدينة «فينيسيا» الإيطالية. إنه نموذج يستدعي الوقوف عنده والاستفادة منه، يستدعي المقارنة والتأمل.

بالطبع قد لا يكون من المناسب أن نستنسخ تجربة «فينيسيا» لتكون أزقة المحرق بلا سيارات، لكن دعونا نستعين بوسيلة نقل تناسب تلك الأزقة إنها سيارات «التوك توك»، أو سيارات «الجولف» أوغيرها من وسائل المواصلات الخفيفة التي يسهل دخولها وتنقلها في الأزقة، فدعونا نستبدل السيارات ونستغني عنها لنستخدم هذه الوسيلة، فلماذا لا نطور هذه السيارات «التوك توك»، «والجولف»، لتكون مكيفة بحيث تناسب الظروف الجوية للبحرين، فمن المناسب أن نستخدمها كوسيلة نقل نستعين بها في التنقل في أزقة المحرق، فتلك السيارات ستخفف من مشكلة قلة مواقف السيارة لصغر حجمها، ولسهولة تنقلها، كما أن استهلاكها للبترول أقل بكثير من استهلاك السيارات. ناهيك عن أن كلفة شرائها أقل من كلفة شراء السيارات، ويمكننا توفير شركات تؤجر «التوك توك» فيعتمد السكان عليها للدخول إلى الأحياء القديمة وبالتالي لن يضطروا لاقتناء السيارات وخاصة العمال الأجانب. إن استبدال السيارات بـ «التوك توك» سيسهم في حل مشكلة ازدحام السيارات في الشوارع وفي المواقف.

كما علينا إعادة النظر في شوارع المحرق وإعادة تخطيطها لتناسب استخدام سيارات «التوك توك» كوضع إشارات الوقوف أو خطوط مشاة أو تخطيط مواقف «للتوك توك»، وغيرها، لقد اطلعت على تجربة بعض الدول التي تستخدم «التوك توك» كوسيلة نقل والمشاكل التي تعاني منها هذه الدول، لكن تكمن المشكلة في عدم وجود تخطيط مناسب لشوارع تسمح لاستخدام «التوك توك»، وهنا أوجه مطالبي ومطالب أهالي المحرق إلى وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني لإعادة النظر في طريقة تخطيط الشوارع ليسمح لسيارات «التوك توك» المرور في أزقتها في محاولة لتسهيل التنقل على أهالي المحرق المتمسكين بالعيش فيها أو ابتكار تصاميم للشوارع تتناسب مع أزقة هذه المدينة العريقة التي مازالت عراقتها تخطف القلوب...... ودمتم أبناء المحرق وأبناء قومي سالمين.