بين يوم وآخر تتطور الأحداث.. وتتغير الرؤى ويصبح المرء في حيرة من أمره.. ماذا يفعل وكيف يخطط وكيف ستكون الأمور في اليوم التالي.. هذا الأمر هو مبدأ عام في حياة الإنسان يجب عليه أن يأخذ بالأسباب ويعمل من أجل مرضاة ربه، دون أن يلتفت إلى التفكير بما سيحدث.. لأنها أقدار المولى الكريم.. «ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء». هذا هو الدرس المهم الذي أرسل إشارته وباء كورونا.. الدرس الذي يجب أن يعيه الجميع.. بأن حياتنا كلها تسير بمشيئة الله الكريم.. فقد أحبط كورونا مخططات الحكومات وأصاب حياة الشعوب بالشلل التام، وأفشل خطط الأفراد وأصاب حياة الجميع بوباء الانعزال الكلي عن المجتمع..

إجراءات الدولة الحكيمة والتي تدار باقتدار من قبل اللجنة التنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، كلها تصب في مصلحة الجميع، فالدولة تدير الأزمة بكامل الاحترافية ووضعت نصب عينها سلامة المواطنين والمقيمين على حد سواء دون تمييز، وإن كلفها الأمر وقف عجلة العمل وشل الحركة في أغلب مناحي الحياة، وصرف الأموال الطائلة من أجل المحافظة على سلامة الجميع وسلامة البحرين. فالإجراءات الصحية المحكمة تتطلب تعاون الجميع وعدم التهاون في تنفيذ الإجراءات والاحترازات المطلوبة من أجل أن نمضي قدماً للحد من انتشار الوباء ومعالجة المرضى ونصل في نهاية المطاف إلى تشافي جميع من أصيب بالفيروس، وتعود الحياة طبيعية بإذن الله كما كانت وأفضل.كما أن تفكير الجهات المسؤولة عن هذه الأزمة لم ينصب لجانب دون آخر بل طال الحياة المعيشية للمواطنين، فصدر قرار تأجيل دفع القروض بلا فوائد لمدة ستة شهور، وصدر التوجيه الملكي السامي لعمل الأم العاملة في المنزل حفاظاً على سلامتها ولإعطائها فرصة متابعة الأبناء أثناء مكوثهم في المنزل ودراستهم عن بعد. كما سارعت بعض الجمعيات الأهلية ـ جزاها الله خيراً ـ لمساعدة الأسر المتضررة من وقف أعمالها خلال هذه الأزمة، حيث إن السلامة في مثل هذه الظروف مقدمة على أي أمور أخرى، لذا فإن الجميع يقدر هذه الإجراءات الاحترازية ويقف معها جنباً إلى جنب، والتي وبلا شك سيكون لها فيما بعد الأثر الكبير في كافة مناحي الحياة.. تحية تقدير وإجلال لدولتنا الحبيبة حفظها الله..

وإزاء هذه الظروف اقتبس كلمة جميلة لصاحب السمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وفقه الله: «إن كل مواطن ومقيم اليوم هو مشارك بوعي في إنجاح ما يتم اتخاذه من إجراءات وتدابير لاحتواء ومنع انتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، وأن المهم في هذه المرحلة هو التزام التعليمات والقرارات الصادرة من وزارة الداخلية ووزارة الصحة والجهات ذات العلاقة حفاظاً على سلامتهم وسلامة الوطن. عندما يلتزم الجميع بالتطبيق السليم لمنع التجمع وتدابير التباعد الاجتماعي، فإنه يساهم في تعزيز الاحتواء والحفاظ على حرية التجول للضروريات المعيشية، ويحقق هدف احتواء ومنع انتشار الفيروس. فسلامة وصحة المواطنين والمقيمين وأفراد المجتمع هي أولوية قصوى لا مساومة عليها، وسيتم تسخير كافة الإمكانيات من أجل تخطي هذه المرحلة بنجاح».

إن هذه المرحلة الهامة في حياتنا تتطلب من الجميع أن يقف موقف المحاسب لنفسه أولاً وأن يرجع إلى نفسه ويراجع حساباته.. فأزمة كورونا سوف تنتهي بإذن الله تعالى وستعود أجواء الطمأنينة والسلامة وسيبتسم الجميع وسيحضن كل قريب لقريبه بعد انقطاعات التباعد الاجتماعي الطارئة.. ولكن سيبقى السؤال الأهم.. كيف سنتغير ما بعد هذه الأزمة؟ وكيف ستكون الخطط الجديدة؟ بلا شك ووفق أعلى المستويات أن الأمر لن يمر مرور الكرام، فسوف يراجع الجميع حساباته وسيغير من الإجراءات التقليدية التي يسير عليها، والتي من أهمها العمل عن بعد وتفعيل التواصل الإلكتروني والإجراءات الإلكترونية التي قربت البعيد ووفرت الجهود.. وأعتقد أننا ما زلنا بحاجة ماسة لتجهيز الخطط البديلة لمثل هذه الأزمات حتى لا نضطر أن نفكر ماذا نفعل.. ونحتاج إلى تفعيل «الأفكار الإلكترونية الذكية» التي يمكن من خلالها أن نقرر في نفس اللحظة بأننا على أتم الاستعداد للتعامل مع كافة الظروف وفي أحلك المواقف.. بمعني الجهوزية التامة لإدارة الكوارث وبخاصة في مجال الأعمال.

أما على المستوى الفردي فإن الحاجة ملحة للعودة إلى أنفسنا ونستذكر نعم الله سبحانه وتعالى التي لا تحصى في زمن مخيف نخشى فيه على إيماننا.. نستذكر نعمة الأمن والأمان والسكينة والاستقرار.. كنا بالأمس نتألم لأوضاع ومآسي المسلمين في العديد من الدول والذين كانوا يتشوقون للصلاة في المسجد.. ويخافون الخروج من بيوتهم بسبب حظر التجوال.. أو مخافة قطاع الطرق.. اليوم نبكي على مرارة الحرمان من نعم كثيرة لم نلتفت إليها في أيام حياتنا.. لأننا غفلنا عنها.. بل كانت بالنسبة لنا من روتين الحياة، فانشغلنا بتوافه الأمور وبالتفنن في شراء الكماليات وفي إسعاد النفس دون النظر إلى مآل ذلك القلب الخاوي من الإيمان!! اليوم لم نعد نستطع الصلاة في المسجد والطمأنينة بالصلاة والاستئناس برؤية المصلين.. ولم نعد نستطع الخروجللتجوال في المجمعات وفي الطرقات.. بتنا نخاف على بعضنا البعض فقررنا المكوث في بيوتنا حفاظاً على سلامة الجميع والتزاما بإجراءات الدولة.. حتى دفن الميت اقتصر على أقاربه فقط ولا نعلم في الغد ماذا سيحدث.. حرمنا من نعمة احتضان الأحباب ومصافحتهم باليد.. حرمنا من مقومات السلامة والأمان.. كنا نقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا نستشعر المعاني الجميلة فيه: «من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها»... حتى أصبحنا اليوم نبحث عن إطلالة جميلة على أحبابنا.. وأمن في خطواتنا.. بالفعل لا يستشعر المرء نعم الله سبحانه وتعالى عليه إلا إذا فقدها.. حينها يظل يتحسر ويتمنى لو رجع للوراء قليلاً..

بالله عليكم.. دعونا نراجع الحسابات.. فرصة وأنتم في بيوتكم.. امكثوا فيها واهتموا بأهليكم.. وتواصلوا هاتفيا مع أحبابكم.. فلا نعلم ماذا ينتظرنا في الغيب.. وضعوا نصب أعينكم إنما الحياة فرصة.. واليوم جاءت هذه المحنة حتى تعلمنا الكثير.. فطوبى لمن بدأ في تصحيح المسار.. ومحروم من مضت عليه دون أن يتأملويصحح منظومة حياته التائهة.. انشغلوا بالله تعالى وحده فهو من بيده مقادير الأمور.. فهو ابتلاء علينا أن نصبر فيه ونتوكل على الخالق ونثق بأمره وقدره.. انشغلوا بالطاعة فهي المقدمة على كل شيء في مثل هذه الظروف.. وسلوا الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة وحسن الخاتمة.

* ومضة أمل:

اللهم احفظنا وأهلينا وأحبابنا ومحبينا ووطننا الحبيب من كل سوء، وأعد الابتسامة والأمان إلى كل دروبه.