في ظل هذه الأزمة المرهقة للجميع، استحضرت معها معاني اسم الله «اللطيف» وكانت هذه الكلمات الجميلة للكاتب علي الفيفي من كتاب «لأنك الله»، يقول: «الله سبحانه هو المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون. فهو لطف وخفاء ودقة في إكرامه وإحسانه، وفي عصمته وهدايته، وفي تقاديره وتصاريفه. فمن بالغ قدرته، وعظمة علمه، وبصره بمخلوقاته، إلا أنه ذو لطف فيما يحوط به العبد من هداية وإكرام وإحسان، لا تفجؤك أفضاله بل يسبقها برياح البشرى، ويهيء قلبك لاستقبالها، ثم إذا نزلت بك الأفضال جعل لها من الأسباب التي تسبقها ما تكون بها ممهدة الوقوع، وكأنها من محض كسب العبد وهي على الحقيقة إكرام بحت من عظيم المن والعطاء. وتأتي بلطفه عظائم المقادير والتي تستبعد أكثر العقول خيالاً وقوعها، فيجعلها كائنة حاضرة، كل خيط من ذلك المقدر يمسك به قدر من لطفه، فلا تنتبه إلا ـ وبقريب من المعجزات ـ قد بات بساحتك! لا تعلم كيف أمكنه أن يحدث، وتتيقن أن حولك وقوتك أقل من أن تحدثه، فتنظر إلى السماء وتقول: «الله لطيف بعباده»».

إن من صفاته عز وجل «اللطف بعباده» وهي رسالة للمؤمن فحواها أنه مهما اشتدت بك الكروب وعظم الخطب وضاق بك الحال واشتد البلاء فإن ما يخفف عليك الأمر علمك بلطف الله سبحانه وتعالى.. هذا اللطف الذي يربي المؤمن على خوفه من الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن، وعلى الارتقاء بالإيمان.. لطف الله الذي يحيطنا في جميع جوانب حياتنا ويزيل عنا المخاوف والمخاطر ويجعلنا في معية الله عز وجل.. اللطف الذي يعطينا الأمل بأن نكون أقوياء أكثر من أي فترة مضت من أعمارنا.. أقوياء في مشاعرنا وصبرنا وتعاملنا مع المواقف، فزمن كورونا فيه من الدروس والعظات التي لا نستطيع حصرها..

نعم.. الله لطيف بعباده في جميع شؤون حياتهم، واللطف الأعظم الذي نغفل عنه إزاء فتن الحياة وعراقيلها هو لطفه بنا أن هدانا لنعمة الإسلام وغرس في قلوبنا الإيمان، ولطف بنا أن وفقنا لعمل الخير وأرشدنا إلى طريق الرشاد.. لطف الله بناء في أشد المواقف بتثبيت المؤمن على الحق وبحفظه من مزالق الحياة ومن إغراءات الشيطان ونزغاته..

وفي هذه الأيام تشتد الحاجة إلى رفع الأيادي إلى الله عز وجل بأن يلطف بنا فيما جرت به المقادير، وأن يكرمنا بلطفه في جميع أحوال الحياة.. فلم يكن فيروس كورونا (كوفيد19) مجرد هزة بسيطة ومضت.. بل أضحى ذلك المارد الفتاك الذي فتك بحياة الناس في جميع مناحيها حتى أوصل لهم رسالة خفية بلا مقدمات: كيف حال إيمانك بالله؟ هنا سل الله تعالى أن يلطف بإيمانك وبحالك وأن يجعلك في ديمومة من لطف الحال والمآل..

لطف الله عز وجل الذي استشعرت به في أزمة كورونا.. في جميع حركاتك وسكناتك، والأهم من ذلك كله أن تدعوه أن يصرف عنك كل شر ويلطف بصحتك وعافيتك وتقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاهم فيهم وفضلني على كثير من عباده المؤمنين. لطف الله أن جعلك في بيتك آمنا مستقراً تتلذذ مع أهلك الطعام وتزاول معهم الأنشطة التي عجزت عنها في أيام الحياة.. فهل استشعرت لطف الله بك؟ فقط تأمل تلك الوجوه غير الوجوه في اللحظات الأولى من قرار إلزام الجميع بلبس الكمامات في الأماكن العامة.. نعم الوجوه غير الوجوه.. الجميع يتجنب القرب منك.. وكل واحد يرى وجه الآخر.. هل استشعرت لطف الله.. عندما تتجول فترى الشوارع المظلمة والسيارات المعدودة.. والمارة الذين يتجنبون اللقاء بأي أحد.. من بعيد فقط.. كيف حالك.. اعذرني فقد أثقلني الوضع.. لدرجة أني لا أعرف كيف أتخذ قراري مع أقرب الأحباب إلى قلبي.. بأن أتجنب مصافحتهم ولقياهم.. اعذرني فالأوضاع غير عادية أبداً.. تذكرنا بلطف الله الخفي في الكون كله..

ومع اشتداد الوضع يمنة ويسرة في العالم بأسره، وقيام الدول باتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية خوفاً من تفشي الوباء بصورة موجعة، حري بالمؤمن أن يجدد إيمانه بالله عز وجل ويقف وقفة أكثر تأملاً من أي فترة مضت.. تضطر معها أن ترفع شعار «خلك في البيت» وتمارس العديد من البرامج التي غابت عن أنظارك في حياتك.. تذكر أن مكوثك في البيت إنما هو من «لطف الله تعالى الخفي» فاصنع منه إنجازاً فريداً في حياتك، من خلال:

* قال تعالى: «واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين» ورد في شرحها أن تجعلوا بيوتكم مساجد تقام فيها الصلاة، فجميل جدًا أن تكون بيوتنا مساجد في هذه الأزمة، فيرفع الأذان وتقام الصلاة في كل بيت.. فاجمع أهلك واحرص على المواظبة على الصلاة جماعة معهم.

* كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى «أي إذا اشتد عليه الأمر». فالصلاة طمأنينة للنفس وسكينة للقلب وراحة للؤمن.. فأوضاعنا اليوم تستلزم أن يفزع كل واحد منا للصلاة.. «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبلال عندما يقيم الصلاة: أرحنا بها يا بلال».

* حول الشدة والمحنة إلى منحة وخير لك ولأهلك.. فإنما الأزمة أجلستك مع أهلك والقرب إليهم، واجعل من جلوسك في البيت انطلاقة مثلى لطمأنينة القلب..»ألا بذكر الله تطمئن القلوب» واجعل أفراد أسرتك يستشعرون نعمة جلوسهم معك في البيت بعد أن افتقدوا طلتك عليهم.. واجمعهم على قراءة كتاب الله وذكرهم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده». فاحمد الله تعالى على لطفه أن منحك فرصة أن يكون بيتك مسجداً تغشاه الرحمات والسكينة ويذكرك الله فيمن عنده.

* ومضة أمل:

* نوع في برامجك أثناء مكوثك في منزلك ما استطعت.. ولكن اجعل القرب من الله تعالى هي القاعدة التي تستند عليها.