أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) حملت معها الكثير من الرسائل البحرينية التي لاقت صدى عالمياً عريض النطاق من جميع حكومات المعمورة وشعوبها المتناثرة في مختلف الأقاليم والقارات، مفادها أن الإنسان هو أغلى ما تملكه أي دولة، وهو مورد نمائها الرئيس ومفتاح نهضته، بغض النظر عن ديانته، معتقده، أصله، جنسيته، لونه وحتى جنسه، ولذا لابد من مساندته في السراء والضراء.

بادرة إخلاء أكثر من 10 مدارس حكومية لتكون مأوى للعمالة الوافدة تجنباً للازدحام في مساكن العمالة ومنعاً لتفشي الجائحة هي أقل ما يمكن وصفها بالإنسانية في سؤددها، عظيمة الشأن في مدلولاتها النبيلة، سامية في مقاصدها الرحيمة، أن تتكفل دولة بحجم إمكانيات المملكة بعلاج وإيواء العمالة الأجنبية دون أي مقابل في هذه الظروف الاستثنائية هو بالنسبة للكثيرين ضرب من الخيال، ويستحيل حدوثه أو تطبيقه لدى غالبية دول العالم.

هذه الخطوة غير المسبوقة عالمياً في إيواء العمالة الأجنبية بوازعها الإنساني البحت والتي لن تتكرّر في دول أخرى حول العالم، ترتكز على رؤى إنسانية سامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى – حفظه الله ورعاه – في احتضان جميع البشر طالما كان لهم بصمة في معادلة البناء والتطوير في المملكة، والحفاظ على صحتهم وسلامتهم كأولوية في هذا الوقت الحساس للاستمرار في نهضة هذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعاً.

مملكة البحرين ما قبل وأثناء وإبان وباء (كوفيد 19) كانت ولا تزال وستبقى مضرب المثل في نموذجيتها الإنسانية وريادتها في خدمة البشرية، دون النظر أو التمحيص في أي اعتبارات مذهبية أو دينية أو عنصرية. لتثبت مرة تلو الأخرى للعالم أجمع علو كعبها إقليمياً وعالمياً في كافة حقول حقوق الإنسان، بفضل قناعتها المتأصلة في أن جميع بني البشر خلقوا سواسية دون تفرقة بينهم لا بالجنس أو العرق أو بالمرض.

«البحرين بلد الجميع».. عبارة تختصر كل شيء ينطق بها على الدوام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى – حفظه الله ورعاه – لتعكس مدى العمق الإنساني الذي نعرفه عن ملك القلوب وأب الجميع، ولتشكل نبراس عمل الدولة برمتها انطلاقاً من قيم العدالة والتسامح والتعايش السلمي والحرية الدينية، بعيداً عن شكل من أشكال التنافر أو الضغينة لأي مخلوق بشري يعيش على هذه الأرض المباركة.

الفكر السبّاق لعاهل البلاد المفدى، مدعوماً بفريق البحرين والكفاءات الوطنية المحبة لفعل الخير من أجل مصلحة الوطن والمواطنين والمقيمين، يجعل المملكة مرة أخرى قبلة كل من يبحث عن العدالة الإنسانية والمعاملة الحسنة، في زمن أصبح فيه التسامح والتعايش بسلام ووئام عملة نادرة.

قبل أن نكون مسلمين، مسيحيين، يهوداً، بوذاً، هندوساً - سمِ أي ديانة شئت - نحن هنا خلقنا للإعمار والبناء، وبتكاتفنا في أكثر الأزمنة قتامة وتعاضدنا معاً يداً واحدة، والوقوف خلف قيادتنا الحكيمة والامتثال لتدابيرها الرصينة، سيكون بمقدورنا الخروج من عنق زجاجة الجائحة في القريب العاجل بمشيئة العلي القدير.

* أمين عام مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي