نشرت السبت الماضي مقال «أعمق وأصدق رمضان» تناولت فيه خصوصية رمضان هذا العام في نوعية التواصل وبرهنة جدية الناس ووديتهم عبر التواصل المخصوص المتجاوز لمسجات البودكاست بما يرتب مكانة الآخرين في قلبك ويحدد مستوى قربهم منك، وكيف أن الظروف الراهنة جراء انتشار فيروس كورونا في بلادنا فرضت علينا التواصل عبر قنوات التواصل الاجتماعي وبقية القنوات الإلكترونية المختلفة. عندما كتبت هذا المقال ووجهته لزميلي العزيز المشرف على صفحة الرأي بالجريدة لم أكن أعلم أنني في نهار اليوم التالي سأقرأ تغريدة لمعلمي وصديقي الأعز د. ظافر العجمي يتحدث فيها عن الخصوصية النوعية لرمضان هذا العام..!! يقال إن القلوب المتصلة توصل ما يكفي من الطاقات لتعبر الأفكار بين الأذهان دون جواز سفر أو كلمة مرور، وأن تبادل الأفكار على نحو تلقائي وغير مقصود وارد بين من يشتركون في حقل فكري أو مشاعري أو مهني واحد وإن بعدت المسافات. لعل هذا ما حدث وأرجو ألاّ أكون قد بالغت في تقديري.

نعود للتغريدة، فقد كتب العجمي في حسابه على تويتر «#Ramadan_Online كيف نعيش #رمضان_افتراضي /تهاني وتبريكات واتسب. مناقشات تويتر. مشاهدة شعائر بالتلفزيون. أحسست بثقل الأزمة، من تهنئة وصلتني من أخي د.أنور الرواس @anwarrawas «رمضان في البيت» لا تراويح ولا صلاة قيام ولا زيارات ولا قرقيعان ولا تبادل لقيمات ولا زحمة مشتروات. /فرجك يارب». لا شك أنها تغريدة مؤلمة في ظاهرها، ولكن استوقفتني كثيراً تسمية رمضان هذا العام بـ «رمضان افتراضي»، وجعلتني أتساءل إذا ما كان يمكن القول إن رمضاننا قد أصبح افتراضياً بالفعل، بقياس أن أكثر ما يميز الأجواء الرمضانية إنما هو البعد الاجتماعي العميق الذي كان يربط بين الناس ويوحد قلوبهم كما يوحد تواجدهم في بعض الأمكنة. ولكنني سرعان ما عدت أدراجي للتفكر في أصل الموسم الرمضاني كقيمة دينية قبل بقية القيم الاجتماعية الأخرى.

على مستوى اجتماعي لا شك أننا اليوم أمام نقلة نوعية ضخمة أجبرتنا على أن نشهد رمضاناً افتراضياً بامتياز وهو ما كتبته يوم السبت وعدت للتأكيد عليه في مقدمتي اليوم، ولكن لو وقفنا على المستوى الديني، لوجدنا أن فيروس كورونا جاءنا ليحمل رسالة أخرى عظيمة مفادها أن كل الأبواب سدت وكل الأحبة تخلت، لم يعد لنا أبواب مفتوحة نلج عبرها إلى منازل الأهل والأحبة، ولم يعودوا أصحاب المنازل بذاك الترحاب القديم حيث إن من الحكمة ألاّ تتم اللقاءات للحفاظ على سلامة الجميع. فلنتأملها جيداً، من هو الباقي الذي يفتح لنا أبوابه على الدوام، بل ويحفل بمجيئنا رغم أنف ظروف فيروس كورونا وغيرها، ويدعوننا إليه في هذا الظرف الاستثنائي المتزامن مع رمضان أكثر من أي وقت مضى؟ هو الذي لا نحتاج لاتصال افتراضي لنكون في حضرته أو لنتحدث إليه.

* اختلاج النبض:

من فيروس كورونا وفرض «رمضان افتراضي».. هل وصلت الرسالة؟!!