د. عبدالحسن الديري

رئيس مجلس إدارة جمعية المؤسسات المتوسطة والصغيرة البحرينية

شهدنا في الآونة الأخيرة سعي العديد من الدول من مختلف أنحاء العالم نحو تعزيز وتسريع عملية التحول الرقمي في مختلف القطاعات الاقتصادية وذلك من خلال مواكبة أحدث التطورات وما أتاحته ثورة تكنولوجيا معلومات الاتصال من فرص عديدة، وبالتالي لم يكن من المستغرب أن تكون مملكة البحرين في طليعة دول المنطقة التي تسعى إلى تبني هذا الاتجاه للاستفادة من هذا التوجه ومردوده الإيجابي على نمو هذه القطاعات وفعاليتها إلى جانب المساهمة في التخفيف من الأعباء البيروقراطية وغيرها من العراقيل التي تساهم في تعطيل الحركة التجارية.

ولعله من المهم أن نسلط الضوء على موقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من بين القطاعات المستهدفة والتي أدركت المملكة منذ البداية أهميتها الاقتصادية وثقلها التجاري، وسعت بالتالي إلى تعزيز البيئة الداعمة لها من خلال الاتجاه نحو رقمنة الخدمات المتعلقة بأعمالها وإجراء عدد من المبادرات والإصلاحات التي من شأنها أن تساهم في دعم الشفافية والمساواة، وتقليل الوقت المطلوب لإجراء المعاملات الحكومية إلى جانب تسهيل السبل أمام دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مواصلة أعمالها وأنشطتها مما سينعكس على تسريع الإنتاجية وتحقيق الرفاهية الاقتصادية. وقد كان لبعض هذه المبادرات في مجال ضريبة القيمة المضافة والمناقصات انعكاساً مهماً على قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة البحرينية.

ومن خلال موقعي ضمن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يمكنني القول بأننا شهدنا إجراء بعض من الإصلاحات لنظام القيمة المضافة التي من شأنها أن تساهم بدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وذلك ضمن التحول الرقمي الذي تتبناه الحكومة، حيث بات بإمكاني وغيري أن نقوم بسداد القيمة المضافة من خلال البوابة الوطنية للحكومة الإلكترونية (Bahrain.bh) عبر الخدمة الخاصة بسداد القيمة المضافة عبر شبكة الإنترنت باستخدام البطاقات الائتمانية أو بطاقات الصراف الآلي من دون الحاجة إلى الحضور الشخصي، حيث تأتي هذه القناة كإضافة بجانب قناة الدفع الحالية "فواتير" والمتاحة من خلال الخدمات المصرفية عبر الإنترنت (الخدمات المصرفية الإلكترونية) ، وتطبيق BenefitPay وأفرع البنوك.

كما وتقدم القناة الإضافية الجديدة معالجة أسرع للمدفوعات لخاضعي القيمة المضافة المحليين الذين يعتمدون على إتمام إجراءات سداد القيمة المضافة من خلال الدفع النقدي عبر البنوك، كما أنها تمكن الشركات الأجنبية غير المقيمة من إجراء المعاملات الإلكترونية عبر الإنترنت مع الجهاز الوطني للإيرادات.

إذ أنه وباعتقادي ما جعل من تجربة تقديم وسداد القيمة المضافة عملية سهلة وفعالة هو توافر المعلومات حول نظام القيمة المضافة في المملكة وجعلها متاحة بسهولة عبر شبكة الإنترنت وذلك في الأقسام المتعلقة بالأسئلة الشائعة والأدلة الإرشادية بالإضافة إلى توافر مديري علاقات العملاء المعينين للشركات الكبيرة لضمان تطبيق القيمة المضافة بسلاسة، حيث بات متاحاً لجميع الشركات الأخرى الوصول إلى مركز الاتصال على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع إما عبر المكالمات الهاتفية أو رسائل البريد الإلكتروني، كما ويقوم الجهاز الوطني للإيرادات بشكل منتظم بعقد ورش عمل خاصة للقطاعات المعنية لضمان التطبيق السليم للقيمة المضافة بدعم من المركز الافتراضي الذي يوفر أساليب تعلم مبتكرة تسهم في زيادة المعرفة وتحقيق أقصى درجات الكفاءة والفعالية.

كما أرى أنه من المهم أن أشير إلى المبادرة التي جرى إطلاقها مؤخراً لتمكين الشركات ذات التوريدات السنوية التي تقل عن 100 ألف دينار بحريني من اختيار تقديم الإقرار السنوي بدلاً من ربع السنوي. وأيضًا لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتحديداً الشركات الصغيرة ذات التوريدات السنوية التي تقل عن 100 ألف دينار بحريني، أطلق الجهاز الوطني للإيرادات نسخة جديدة ومبسطة من نموذج تقديم الإقرار الذي يتطلب إدخال بيانات في 6 خانات فقط لإتمام تقديم الإقرار.

ولعله من الضروري أن نتطرق في هذا السياق إلى الفرص المتاحة لبدء عمل تجاري في المملكة والتي كما عهدناها عملية مباشرة تلتزم من خلالها الحكومة بدعم رواد الأعمال المحليين والمستثمرين الأجانب على حد سواء. حيث شملت الرقمنة هذا الجانب المهم من دورة حياة الأعمال، إذ تتم عملية بدء النشاط التجاري في المملكة بشكل كامل الكترونيا، بدءًا من الحصول على الموافقات على عقد الإيجار عبر الإنترنت إلى خدمة تسجيل الشركة والموظفين في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، كما أنه وكجزء من هذا الدعم ، تتم مراجعة العمليات التي يجب على أصحاب الأعمال اتباعها عند قيامهم بتأسيس شركتهم بشكل منتظم ويتم إدخال التحسينات لمواصلة ضمان أن تكون العملية فعالة وخالية من البيروقراطية قدر الإمكان.

ولعل الفائدة الأكبر من جميع هذه التغييرات النوعية أنه لن يكون من الوارد أن يتم تقييد رجال الأعمال والمستثمرين بساعات العمل أو الموقع كما كان في السابق قبل الدخول إلى مرحلة التحول الرقمي، إذ أنه تم إطلاق العديد من الخدمات الأخرى بحلة رقمية مميزة ومنها نظام التسجيل عبر الإنترنت "سجلات" والخدمات التجارية الأخرى منذ عام 2016، كما قدمت الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي خدماتها مثل تسجيل الشركات الناشئة وموظفيها وتشجيع الشركات على استخدام الخدمات الالكترونية المقدمة للمتابعة والاستفسارات من خلال بوابتها الإلكترونية منذ عام 2012 وذلك إلى جانب خدماتها القائمة في المركز.

وفي الوقت الذي ينظر الجميع إلى جائحة كوفيد-19 باعتبارها تحدي وتهديد فإننا نرى بأنها ستحمل معها العديد من الفرص وستشجع الاعتماد علىى الخدمات الرقمية بشكل كبير، ولعله من المناسب أن أذكر بالخطوة التي قامت بها "سجلات" مؤخرًا بتوسيع خدماتها الرقمية ، وإصدار الموافقة لبدء الأعمال التجارية بشكل فوري بناءً على المنطقة التي ستتم ممارسة الأعمال التجارية فيها والذي ساعد بشكل مباشر للسماح لأصحاب المشاريع للتحرك بسرعة أكبر لتأسيس أعمالهم.

وأجد أنه من المناسب أن نشير إلى عملية التوثيق التي تم السماح للقطاع الخاص بإجرائها ، بعدما كان في السابق يتم التوثيق فقط من قبل كاتب العدل في وزارة العدل والشؤون الاسلامية والأوقاف المتواجد في مركز البحرين للمستثمرين، وهو ما سيساهم في تحسين كفاءة خدمات التوثيق وتبسيط عملياتها للمقيمين والشركات من خلال تمكينهم من إكمال توثيق المعاملات الخاصة بأسهل السبل.

وفي ما يتعلق بزيادة فرص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التنافسية ودعمها فإنني أجد بأن ما شهدناه مؤخراً من وتيرة إصلاحات ورقمنة كانت له أطيب الأثر في زيادة الفرص أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة والمنافسة في المناقصات الحكومية، وذلك منذ بدء العمل بتطبيق الأفضلية بنسبة 10% للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في 15 ديسمبر 2019 حيث تطبق هذه الأفضلية اثناء عملية التقييم المالي للعطاءات المقدمة للمناقصة، وهو ما فتح الباب أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لمنافسة الشركات الكبيرة للفوز بهذه المناقصات مع مراعاة جودة العطاءات الفنية المقدمة من قبلهم وتوافقها مع المتطلبات والشروط المضمنة في وثائق المناقصات، واجتيازها لمرحلة التقييم الفني، بما يضمن جودة الخدمات وتنفيذ العقود بالجودة والسرعة المطلوبة دون أي تعثر.



وحتى لا أطيل على القاريء الكريم فإنني أتوقع بأن تشهد المرحلة المقبلة وبالأخص من بعد جائحة كوفيد-19 مواصلة إنجاز العديد من المبادرات والإصلاحات التي ستعزز بصورة كبيرة من التوجه نحو التحول الرقمي في العديد من المجالات والخدمات التي تمس بصورة مباشرة ميدان عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتلعب دوراً محورياً في حضورها الاقتصادي والتجاري النشط في صميم الحركة التجارية للمملكة، وما من شأنه أن يعطي حافزاً داعماً لأصحاب هذه المؤسسات الذين يمثلون شريحة هامة من الشارع التجاري نحو اقتناص الفرص وتعظيم الأرباح المالية من جانب والعمل على تصحيح أوضاع مؤسساتهم بشكل يسمح لهم بالمشاركة في هذه المبادرات من جانب آخر.