هل فكرت يوماً كيف يكون وجودك في هذه الحياة وعلامَ يرتكز؟ هل وجودك وجود جسدي مرتبط ببقاء جسدك في هذه الحياة وما يقوم به من حالتي الحركة والسكون المتواليتين؟ هل وجودك مرتبط بما تقدمه من إنجازات وتبذله من جهود؟ أم وجودك مكفول بمجرد مجيئك وليداً في هذه الدنيا تصدر له شهادة ميلاد ووثائق رسمية وهوية شخصية؟ يجرني هذا لتذكر مقولة الفيلسوف الفرنسي: «أنا أفكر إذن أنا موجود»، فهل الوجود مرتبط بالتفكير وحده؟ وما هو التفكير؟!! هل يمكن القول إن جميعنا نفكر أم أن التفكير عملية خاصة تقتصر على أناس محددين دون آخرين؟ كلها أسئلة وجودية عميقة جديرة بالوقوف عليها لما يترتب عليها من فهم حقيقتنا وبالتالي تفاعلاتنا في هذه الحياة، وكيف يمكن أن يكون لوجودنا على هذه الأرض معنى وغاية.

برأيي فإني سأنتصر إلى رأي ديكارت، باعتبار أن التفكير حالة وعي، والوعي مسألة عميقة جداً لا ترتبط بالجسد في الأساس بل ترتبط بالذات الحقيقية والأنا العليا، وكلما كنا أكثر اتصالاً مع ذواتنا كلما كنا أكثر وعياً وبالتالي نحن موجودون من حيث وجود الوعي. ولا ينفصل الوعي عن عمليات التفكير وهو ما يجعل من الأهمية التركيز على أن عدم التفكير يدخلنا في عالم التيه والإغراق في ضياع ذواتنا الحقيقية منا كلما أنكرناها وأخرسنا صوتها إرضاءً لصوت العالم الخارجي واتباعاً لقوانينه وشروطه المتكونة في أغلبها من جوع أفراد المجتمعات للسلطة وعقدهم الداخلية. ولا شك أن التسليم لتلك القوانين يجعلنا نخضع أنفسنا طوعاً لدور الضحية في المستقبل. وليس غريباً أن تجد من يحجر على تفكير الآخرين وآرائهم في المجتمعات الإنسانية المختلفة على مرور الزمن، فمنع التفكير إنما هو نتيجة جوع داخلي يعاني منه ممارسوه، إذ يتم تغذية هذا الجوع بخلق اتباع من الخارج بتعطيل تفكيرهم وقيادتهم.

* اختلاج النبض:

ما يميز عصرنا الراهن ذلك التحول الكبير إلى التفكير، واستيقاظ النزعة الفطرية نحو عدم تقديس الشخوص والعلوم والنصوص الوضعية، ولكن هذا ما زال في مراحله المبكرة، وما زال هناك الكثير للوقوف عليه في هذا السياق.