تستمد البشرية من أسطورة طائر «الفينيق، Phoenix» صورة التجدد بعد الفناء، و «العنقاء» كما يسميه العرب عاش بالجزيرة العربية كما قال المؤرخ الروماني الشهير بليني الأكبر، وإن لم يكن في بلادنا فمن الأكيد أنها أسطورة سامية، فقد قيل إن أسطورة الفينيق كنعانية المنشأ فكلمة فينيق مرادفة لاسم كنعان، وإطلاق صفة «فينيقي» على الكنعانيين هو نسبتهم لطائر الفينيق.

وتذهب الأسطورة إلى أن طائر الفينيق عاش في الجنة، وأراد النزول للأرض فشقَّ طريقه حتى استوقفتْه رائحة اللبان والبخور بجبال لبنان، فبنى عشَّه على شجرة أرز، فخرج إليه حارس الشمس بعربته بأحصنة نارية فطارت شرارات منها للعش فاحترق الفينيق في داخله وتحوَّل لرماد. ثم خرجت بيضة من تحت الرماد، وعاد الفينيق حياً وفي كل خمسمائة سنة يموت الفينيق ويُبعَث حياً من رماده.

وحين نتجول في لبنان ممتطين صهوةَ التاريخ توقفنا الكثير من الحرائق، لكن أكبرها كانت مذابح جبل لبنان 1860 أو مذبحة الستين، حين تمرد الفلاحون الموارنة ضد ملاك الأراضي من الدروز وانتهت بسقوط 20 ألف ماروني على يد الدروز وتم تدمير 380 قرية مسيحية و560 كنيسة. كما عانى الدروز والمسلمون السنة والشيعة من خسائر جسيمة مماثلة. شارك في هذا الحريق الدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا. أما الحريق الأكبر فكان الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990، وشاركت فيها جميع أطراف الحرب الباردة بالإضافة إلى العرب والصهاينة والإيرانيين.

وفي حريق لبنان الجديد أعلن المجتمع الدولي في مؤتمر المانحين أن العالم لن يخذل الشعب اللبناني، وحين نتذكر أننا في زمن الفاقة الدولية من كورونا وانخفاض أسعار النفط نتذكر أن الاستراتيجية الأمنية تكره رؤية الفراغ فتفزع لسده، وفي لبنان تشكل فراغ جراء عدم كفاءة أركان السلطة في بيروت.

* بالعجمي الفصيح:

نؤمن بإبعاد التدخل الدولي عن لبنان ليس لأن تاريخ الحرائق اللبنانية يظهر الاستغلال الدولي لذلك البلد، بل حتى لا ندخل في التناقض، فكيف نرفض التدخل الدولي القسري الروسي والإيراني والتركي في سوريا وليبيا، ونرضاه في لبنان، وعبر دعوة في كرت مزخرف، دعوا طائر الفينيق ينهض من الرماد بنفسه.

* كاتب وأكاديمي كويتي