نتيجة الإقبال الشديد على منصة «السناب شات» ورغبة مني في اكتشاف هذا العالم ورصد الممارسات والسلوكيات فيه كوني متخصصة في مجال الإعلام الإلكتروني، أطلع بين فترة وأخرى على الجديد رغم عدم قناعتي بجدوى هذا الموقع أو حاجتي له، لعلمي المسبق بأن الهدف منه بالدرجة الأولى هو تتبع التفاصيل اليومية لحياة الآخرين، وإجبارك على تغذية هذا الموقع بشكل دائم طيلة 24 ساعة وإلا لن يكون لك تواجد من خلاله، وهو ما أعتبره فخاً يقع فيه الكثيرون ويفتح الباب على مصراعيه لانتهاك خصوصية الأفراد، لكني أقنعت نفسي بأنها ستكون تجربة تخضع لمجهر الرقيب، وسألاحظ فيها سلوكي وتواصلي مع الآخرين، وكذلك سأطلع على نوعية المحتوى الذي ينشر.

من خلال متابعاتي نستطيع أن نفرز محتوى السناب إلى عدة أصناف: في المقام الأول يأتي كل ما يتعلق بتفاصيل الحياة اليومية للأهل والأصدقاء وكل ما يتبع ذلك من تدخل في خصوصياتهم ورصد تحركاتهم ولا يخلو الأمر من العتاب والمحاسبة، فالجميع يرغب في المشاركة وأن يكون جزءاً من الحدث أو أحد المدعوين على الغداء أو العشاء أو معرفة مع من وأين تواجدت في تلك اللحظة.

المحتوى الثاني تأتي قصص «الفاشينستات» واستعراضاتهم المبهرة لحياتهم وممتلكاتهم، ومسلسل خلافاتهم وزلاتهم، فتجد نفسك تتابع ماذا لبست أو أكلت أو كيف وضعت المساحيق للدعاية واستعرضتها أمام الآلاف في غرفة النوم، كل ذلك من أجل زيادة عدد المتابعين وكسب المال والشهرة.

هناك محتوى ثالث للضحك والفكاهة يتمثل في أشخاص اعتياديين لكنهم يتسمون بخفة الظل أو «غريبو الأطوار»، يسردون تفاصيل أحاديثهم اليومية بالإضافة إلى مقالبهم المضحكة، وهؤلاء يحصدون عدد مشاهدات كبيرة كونهم متنفساً ومادة للتسلية والترفيه.

المحتوى الرابع كل ما يرتبط بفنون الطبخ والتغذية الصحية والحمية والرياضة وقد زاد الإقبال على هذه الحسابات في الآونة الأخيرة خاصة بعد أزمة كورونا والعزلة التي فرضت على البشرية.

وهناك نسبة متواضعة من الأشخاص أصحاب رسالة إنسانية وثقافية هادفة يسعون للترويج للوعي والقيم ونشر معلومات وأخبار بها فائدة وتوعية، كما يبادرون أحياناً بتقديم خدمات إنسانية لمجتمعهم. على الهامش تأتي الحسابات التي تتغذى على فضائح المشاهير والفنانين وكذلك المهتمين بالأبراج والماورائيات.

بعد هذا التحليل المختصر لمحتوى الموقع ورصد سلوكيات الأفراد خلاله، وجدت بأنه لا يقدم لي قيمة مهمة كموقع تواصل اجتماعي، ولكنه في المقابل استنزف من وقتي الكثير للمتابعة وزاد من رغبتي في الاطلاع على ما يقوم به الناس، وأجبرني مشاركة الآخرين بالمثل بعص تفاصيلي اليومية حتى لا أكون فقط متفرجة واتهم بأن دخولي بغرض المراقبة!

لا أنكر بأن هناك متعة خفية وبعض المنفعة من وراء «السناب شات» لكنها مشوبة بكثير من المنغصات وفي أحيان كثيرة ما يتنافى مع المبادئ والأخلاق، ولا شك أن البعض أوجد طريقة مثلى في استخدامه بحذر دون أن تمسه سلبيات هذا الموقع، لكني من واقع تجربة آثرت الانسحاب التكتيكي وأن أكتفي بتواجدي الافتراضي في مواقع التواصل الاجتماعي البديلة.