بالأمس أثناء تقليبي للقنوات الفضائية توقفت للحظات عند قناة القرآن الكريم التابعة للتلفزيون السعودي، على مشهد طواف المعتمرين في شهر رمضان المبارك، لتعود بي الذكريات لسنوات قبل الجائحة حيث كنت أتواجد مع مجموعة عزيزة الأصحاب بداية كل رمضان في مكة لأداء العمرة. أيام نسأل الله تعالى أن يعودها علينا وعلى الجميع.

رغم أن الأمر ليس باليسير ولا بالسهل إلا أن المملكة العربية السعودية قدمت أروع الأمثلة في فرض النظام وإبقاء هذه الشعيرة والعبادة سارية، مع ضمان سلامة القادمين وأهل المنطقة.

القادمون لفريضة العمرة خاصة في رمضان إشكاليتهم أنهم أشخاص من جنسيات وثقافات وعقليات مختلفة، وهو أمر يزيد من تعقيد إيصال مفهوم أن النظام هو لمصلحة الجميع وأن على الجميع الإلتزام.

وهذا ما لاحظته أثناء نقل الطواف على الهواء مباشرة، حيث التنظيم واضح في وضع علامات ومسارات خاصة بالمعتمرين وانتشار رجال التنظيم في مختلف أرجاء الحرم المكي، ومع ذلك هناك من المعتمرين من يشذ عن البقية ويخالف النظام، ليس بسبب الجهل ولا عدم فهم، بل هو الإصرار على عدم التقيد بالنظام وفرض عقلية «أنا أعلم ما أفعل»!

وهي الحقيقة التي تتواجد ليس فقط في المجتمعات البعيدة عنا بل حتى في مجتمعنا، هناك من البشر أصناف وأشبه بالمرضى النفسيين، لديهم الانتظام قيد، والقوانين إهانة، وسلب للحرية. فتجدهم يفكرون بمنطق أنهم على حق في أي تصرف يتصرفونه، وأن من يخالفهم عدو.

فقد لا تجدهم في المجمعات ولا السواحل ولا الأسواق، في أغلب الأيام، إلا أنهم يتواجدون بإصرار وعناد فقط حيث يصدر توجيه أو قانون يقول «يمنع التواجد في هذه المنطقة». هذه التصرفات تنم عن خلل في النفس، وجهل عميق لمفهوم المصلحة العامة.

فهؤلاء لا ينفع معهم اللين والصبر، فتصرفاتهم لا تعود بالضرر عليهم فقط بل تصيب شريحة لا ذنب لها في المجتمع، ولهذا يجب على الدولة أن تكون أكثر صرامة وأكثر حزماً في مجابهة هذه التصرفات، فقياس حجم الجرم هنا هو أن الضرر لا يكون على الفرد بل يصيب المجتمع وعليه لابد من التشديد.

فتزايد عدد حالات الإصابة في الفترة الأخيرة ليست بسبب تراخي قرارات الدولة كما يحلو للبعض أن يتعذر به، بل بسبب بعض التصرفات التي هي أقرب للتخاذل والتهاون من اللامبالاة.