السياسة الحكيمة لقادة الدولة الخليفية خلقت وفرة اقتصادية

منذ بدايات التأسيس في القرن الثامن عشر حرص قادة الدولة الخليفة وفي وقت مبكر على فتح خطوط التجارة الحرة بين الزبارة ومختلف الدول المحيطة والموانئ الممتدة من سواحل الخليج العربي إلى الهند من أجل تحقيق الرخاء الاقتصادي، باعتباره ركناً رئيسياً في بناء الدولة، وقد ساعد ذلك في بناء اقتصاد قوي في إمارة الزبارة في العام 1762.

ويقول فرانسيس واردن، السكرتير الأول للحكومة البريطانية، الدائرة السياسية في بومباي عن رؤية قادة الدولة الخليفية، في الفترة التي سبقت تأسيس إمارة الزبارة: « إنهم في سياق خمسين سنة في الفترة التي سبقت تأسيس الدولة في الزبارة، ومن خلال سياسة حكيمة، تمكنوا من خلق وفرة اقتصادية، ساعدت في تأسيس دولتهم المستقلة».



وقد عمل الشيخ محمد بن خليفة الكبير أولاً على تأسيس شبكة من العلاقات الاقتصادية مع القبائل المحلية في شبه جزيرة قطر، ولايخفى صعوبة إنشاء هذه الشبكة لاعتبارات عديدة تتعلق بالأعراف القبلية السائدة في ذلك الوقت، إلا أن العامل الاجتماعي، وما اشتهر عنه من كريم أخلاقه ساهما في تأسيس هذه الشبكة من العلاقات والمصالح الاقتصادية. وعن ذلك يقول الشيخ محمد بن علي التاجر في كتابه «عقد الآل في تاريخ أوال»: كان محمد بن خليفة كريماً جواداً حسن السيرة طيب السريرة، ومثله كان أبناء عمه وأفراد عشيرته فأحبه الناس وقصدوه لنوال مبراته وفائض كرمه واشتهر ذكره في أرجاء قطر ونواحيها واتسعت سلطته ونمت شهرته فقصد جواره كثير من العربان».

ويقول الشيخ محمد النبهاني عن كرم الشيخ محمد بن خليفة الكبير في كتابه «التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية»: فأمطر على أهلها من سحب فضله نعماً وافية. فبان لهم من أصالة رأية وجليل سجاياه».

ويتحدث الشيخ راشد بن فاضل البنعلي عن كرم الشيخ محمد بن خليفة الكبير في كتابه «مجموع الفضائل في فن النسب وتاريخ القبائل» فيقول: كان رجلاً عفيفاً وصاحب تقوى وبذل للإحسان ومكارم الأخلاق، وله خيرات كثيرة».

ويذكر فرانسيس واردن في دراسة تاريخية بأن المؤسس الشيخ محمد بن خليفة الكبير

مكنته حكمته وأريحيته مع زعماء القبائل المجاورة، وحلفائه السابقين، من نيل حصة الأسد من تجارة اللؤلؤ وتأسيس دولته المستقلة في الزبارة.

الفكر الاقتصادي

لقادة الدولة

وقد ساهم الفكر الاقتصادي لدى قادة الدولة في لعب دور مهم في البنية الاقتصادية للزبارة، بل أصبح لدى الدولة من المال وفرة كان بمثابة احتياطي نقدي، وشجعوا زعماء القبائل المجاورة على الاتجار باللؤلؤ في الزبارة، وساهم هذا الفكر الاقتصادي في ازدهار تجارة اللؤلؤ في الزبارة، بل نالت الزبارة النصيب الأكبر من هذه التجارة في الخليج العربي. وساعد ذلك في تكوين سوق محلية كبيرة للزبارة تجاوزت الزبارة نفسها لتمتد إلى المناطق المجاورة.

ولعل هذه الوفرة المالية التي تنعمت بها الزبارة بفضل فكر مؤسسها هو ما مكن الشيخ محمد بن خليفة الكبير من بناء قلعة مرير بمواصفات متقدمة في ذلك الوقت، ومكلفة بطبيعة الحال.

بل كانت وراء ذلك رؤية اقتصادية تقوم على ضرورة تطوير البنية التحتية في الزبارة وتوفير الأمن والاستقرار والحماية، من أجل تعظيم المصالح الاقتصادية، والمكاسب التجارية.

وتمكنت الزبارة من استقطاب أبناء القبائل المختلفة، الذين وجدوا حركة تجارية كبيرة واسعة بالقرب منهم. فضلاً عما تتمتع به من أمان لوجود قوات منظمة، وتوافر مقومات المعيشة من المياه العذبة، والمواد الغذائية المختلفة.

وقد ساهم تطوير البنية التحتية للزبارة في انتقال أعداد كبيرة من الوافدين للإقامة بها، كما أتاح ميناء الزبارة الفرصة لنقل البضائع، والتبادل التجاري مع الخارج. لذلك تحولت الزبارة سريعاً إلى أهم مركز اقتصادي في شبه جزيرة قطر. وعن ذلك يقول الشيخ محمد بن علي التاجر في كتابه عقد الآل في تاريخ أوال: فقد عمرت بهم الزبارة وازدهرت بنوع من الحضارة والعمران وتسابق الناس لسكناها »