منذ أيام كنت أتجاذب أطراف الحديث مع صديق لي وأجمل معه المشاعر بحكايات تلك المشاهد الجميلة والقيم الرفيعة والتقاليد الأصيلة التي عشناها منذ نعومة أظفارنا، وكانت حياتنا «حياة الفرح» وكانت السعادة عنوان المواقف اليومية التي نتبادلها في أيام أعمارنا. كنا نمارس المواقف ولا نستشعر «قيمتها» ولا نلتفت «لقيمها» فكانت تمر مرور الكرام أمام ناظرينا، فكانت أشبه ما تكون «بعادة» نمارسها كل يوم، بل كان الوقت برمته يمر من حياتنا لأنه أضحى «عادة» مثل بقية العادات التي لم نكن نأبه لها أو نستثمر حلاوتها وقيمها وأصالتها. يا أخي لم تعد الحياة اليوم بقيمها كحياة الأمس، ولم نعد قادرين على استنساخ تجارب الأمس وعاداته وجمالية البناء في حياة اليوم، لأننا بحاجة إلى إعداد «منظومة قيمية» جديدة، وبناء جديد يختلف كلياً عن بناء الأمس، ويتوافق مع حداثة الحياة وتغير منظومة العيش، واختلاف النظرات المتعقلة لأحداث الأيام والرؤية العالمية الجديدة لقيمة الحياة التي نعيشها، والتي تفرض علينا أن نهتم بصورة أكبر «بذواتنا» ونصنع السعادة التي ترضينا وترضي ضمائرنا، وتتكيف مع الواقع الجديد الذي نعايشه والذي تغير بصورة كلية مع الغزو الموجع لجائحة كورونا (كوفيد19) لكافة مناحي الحياة. سعادة منبعها الإيمان المتقد والعلاقة الراسخة مع المولى عز وجل.

بالأمس كنا نتكلم عن «الأحلام» وعن «المستقبل» الذي نحلم أن نحقق فيه تلك الطموحات التي اختفت ملامحها في أيام مضت لأننا كنا ننتظر الغد، ولم نكن نستوعب بأن الغد قد أشرقت شمسه وغابت ومضت السنوات تلو السنوات، حتى حلت علينا «كورونا» وأيقظتنا من رقادنا، وأزالت تلك الغشاوة المظلمة..

المطلوب أولاً يا صاحبي أن نغير من ذواتنا ونحول تلك الأحلام إلى واقع حقيقي ملموس غير افتراضي يتناسب مع الواقع القيمي الذي نعيشه، نراجع منظومة القيم في نفوسنا قبل أن نزرعها في المجتمع، ونجد في السير لبناء كيان مجتمعي ندرّس فيه قيم الحياة الأصيلة، ويسير جنباً إلى جنب مع خطواتنا في حياتنا «الروتينية» التي يجب ألاّ تخطف أوقاتنا عن مشروعنا الأسمى الذي يجب أن نخصص بعض مساحاته «كوقف» دائم في الحياة نساهم من خلاله في بناء الوطن وازدهاره، ونكون له أبناء بررة، وسواعد فاعلة في «فريق البحرين» الذين كان نتاجاً خصباً أثبت جدارته بتلك العقول النيرة خلال جائحة كورونا (كوفيد19).

ولا تنس يا صاحبي أهمية أن يغير قادة المؤسسات اليوم نظراتهم للعمل الإداري التقليدي الذي لا ينسجم إطلاقاً مع التوجهات العالمية المعاصرة، فالغالب منهم يعيش على «الإرث القديم» الذي قاد به منظومته في زمن ما، وأضحى لا يتلاءم بتاتاً مع الزمن الحالي. العمل الإداري اليوم يجب أن يتحول إلى كيان «رقمي وقيمي» في آن واحد يهتم بالعنصر البشري لكونه أساس النجاح والتميز، ومن أهم أسسه الاهتمام «بالإنجاز» واستثمار الوقت، ويوفر «المرونة» الكاملة في العمل ويغير باستمرار من الخطط التي يجب أن تتوافق مع معطيات بيئة العمل ومقتضيات التغييرات الحياتية، ويعطي أريحية أكبر للإبداع في مناشط العمل، وفي تغيير الهيكل الإداري الذي يجب أن يتوافق مع التوجيهات الإدارية الحديثة ومتطلبات المستفيدين.

يجب أن نتفق جميعاً أن جائحة كورونا (كوفيد19) قد غيرت الكثير وما زالت تغير يوماً تلو الآخر، فمشروع اليوم إن لم نسارع في تنفيذه قد لا يفيد في الغد. لذا ومع إشراقة كل يوم جديد يجب أن يكون لديك حلم جديد تسارع لتحقيقه وألا تتركه مجرد خواطر في ذهنك تسرح وتمرح دون أن تجد طريقها للتنفيذ.

* ومضة أمل:

كورونا (كوفيد19) منظومة تغيير حياتية يجب أن تستثمر جيداً.