مع بداية كل عام دراسي جديد، أستذكر بكل فخر واعتزاز عالم جميل من الذكريات المدرسية التي عشتها في مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين في الفترة من (1996 إلى 2003) عاصرت خلالها نخبة من المدرسين الأفذاذ منهم من رحل ـ رحمهم الله ـ والباقي نسأل الله تعالى لهم الصحة والعافية وطول العمر.

وتتلمذ على يدي من خلال تخصصي المحبب إلى قلبي (معلم الفصل) مجموعات جميلة من أسماء لامعة، تبوأت اليوم مقاعد متميزة في المجتمع، وانطلقت تمارس أدوارها العملية بشغف وتميز.

البيئة المدرسية في تلك الحقبة كانت أشبه ما يكون (بأسرة جميلة) تنطلق من خلالها لممارسة أدوارك بشغف وحب للعمل ولتلك الأدوار التي تمارسها مع (جمال الطفولة) وبراءة النفوس العذبة التي تشتاق لها في كل يوم جديد تجد في خطواته من أجل إيصال المفاهيم التربوية قبل التعليمية للأبناء. في تلك الفترة لم تكن لدينا (الوسائل التكنولوجية الحديثة) التي لو وجدت حينها لانطلقنا للإبداع والتفاعل الصفي والأسري مع الطلبة وأولياء أمورهم ولاستطعنا حينها أن نقرب المسافات ونحتضن المواهب ونعزز البيئة التعليمية بالأساليب التكنولوجية التي تحبب الطلبة في الدراسة وللبيئة المدرسية.

وبالرغم من ذلك إلا أن شغفنا وحبنا لهذه المهنة الجميلة دفعنا لأن نكون رواد التغيير والتجديد والإبداع وإضفاء روح الأسرة الواحدة في الصف المدرسي، حيث استطعت تحويله بحمد الله إلى (بيئة أسرية) فيها التعليم وزرع القيم وروح الفكاهة والدعابة وأوقات الراحة واللعب وتناول الوجبات الصحية وغيرها.

وما زلت أستذكر تلك المواقف كتسجيل مرئي مسجل أحتفظ به في ذاكرتي..أبطالها أبناء بررة رزقني الله عز وجل فرصة تعليمهم وتربيتهم، وبخاصة أبطال الدفعة الأولى التي قضيت معها ثلاث سنوات جميلات، وكلما سنحت لي الفرصة اللقاء مع أحد أبناء تلك الحقبة، كلما حمدت ربي على نعمه وعلى الأثر الجميل الذي تركته ولو كان صغيراً، أترنم بأصدائه أبداً ما حييت.

ستظل مدرسة البسيتين وفي كل مساحاتها ذكرى جميلة أستذكرها، بحجم العطاء وجمال الأثر والمواقف التي لا يكررها الزمان.

مهما غزت حياتنا تلك الوسائل التكنولوجية الحديثة، يبقى أثر البيئة المدرسية يختلف جذرياً عن البقاء بعيداً عن الأروقة المدرسية، وبخاصة في السنوات الأولى من عمر الأبناء، فالبيئة المدرسية تعزز من الانتماء الاجتماعي للأبناء، وتخرجهم من إطار (الانغلاق الإلكتروني) الذي سيولد بلاشك جيلاً لا يعشق التحدي منطوياً ومنعزلاً عن عطاء الحياة ومخالطة الآخرين.

إن العودة الجميلة الهانئة للمدارس في هذه الأيام، مسحت من أمام أنظارنا تلك الأيام الخانقة في بدايات كورونا، ونسأل الله تعالى أن لا تعود، وأن يعجل بزوال هذا الوباء من حياتنا وتعود الحياة إلى جمالها المعتاد.

إنها عودة مثالية نقدر فيها عزم أولياء الأمور على محاربة الخوف والتوكل على الله تعالى وإدماج الأبناء في البيئة التربوية من جديد بعد غياب محفوف بالمخاوف. أقدر هذه العودة الآمنة الجميلة المطمئنة في أجواء تفاؤلية وإيجابية بإذن الله تقودها وزارة التربية والتعليم والإدارات المدرسية الحكومية والخاصة وكافة المعلمين والمعلمات الذين يقومون اليوم بأدوار تربوية وتعليمية وإدارية استثنائية من خلال قدرتهم على إعادة المنظومة النفسية والتعليمية للأبناء وإعادة الثقة والأمل وحب الحياة والتعلم المثالي الذي يجب أن لا يتراجع عن مستواه مهما كانت الظروف.

لو رجع بي الزمان لرجعت أتلذذ بتلك الأوقات المدرسية الجميلة في أسرة مدرسية تقدر العلم وتحب الحياة وتنمي المهارات الحياتية. إن الخير كل الخير في استثمار الأوقات والتعامل بحكمة مع الظروف. لقد ولدت (كورونا) لدينا مشاعر متغيرة بين اللحظة والأخرة، إلى أن استقر بنا المطاف.. أن نعيش مع الحياة.. بحذر متعقل.

ومضة أمل:

نبارك للمعلمين والمعلمات والهيئات الإدارية العام الدراسي الجديد ونتمنى لهم كل التوفيق والسداد في أداء مهامهم على الوجه الذي يرضي المولى الكريم.