كان عمري 11 عاماً عندما قدمت إلى المملكة في سبتمبر من العام 2002، وها أنا أتم عامي الثلاثون، و19 سنة عشت فيها في كنف البحرين الغالية.

استرجعت شريط الذكريات، كيف كان اليوم الأول لي هنا، والترحيب الحار الذي لاقيناه بعد الانتهاء من جسر العبور للطائرة، وحتى وصولنا إلى المنزل.

اليوم الأول في المدارس الثلاث التي تنقلت فيها، الزيارة الأولى لمكان عمل والدي رحمه الله في جامعة البحرين، وحرص كل فرد فيها بدءاً من الرئيس حينها سعادة الدكتور ماجد النعيمي وحتى أصغر فرد على التأكد من راحتنا واستقرارنا.

الحياة هنا بكافة تفاصيلها، لا يمكن وصفها.. بعيداً عن الماديات، أنت تعيش وسط أهلك، وإن لم يكونوا أقرباءك، تجدهم يشاركونك الأفراح والأتراح، حتى وإن لم يعرفوك.

كان هناك العديد ممن صفقوا لي بحرارة عند تفوقي وتخرجي من الشهادة الإعدادية، ولم أكن أعرفهم! وغيرهم الآلاف ممن حرصوا على مواساتي عند وفاة والدي رحمه الله وعند دفنه في مقبرة الحنينية، وأيضاً لمن أكن أعرف جلهم.

وجدت نفسي لا شعورياً، انخرط في تفاصيل هذا المجتمع العظيم، ومعيشته، وعاداته القريبة من عاداتي التي أعرفها، بل ولا أستطيع الحديث إلا باللهجة البحرينية، حينما أسافر إلى بلد آخر.

أصبحت أتلهف بشدة للعودة إلى هنا بعد كل سفرة، وأشتاق إلى المملكة إن ازدادت سفرتي عن ثلاثة أيام، ولا أود أن أطيل أكثر من ذلك.

زرعت البحرين، قيادة وشعباً، حبها داخل نفسي، وداخل كل شخص قدم إليها.. تجده وإن خسر عمله، لا يود مغادرتها، فهو لا يشعر بشعور الغربة، بل شعور الانتماء والولاء، ويصر على البقاء حتى وإن كلفه ذلك الكثير.

والأجمل، هو كيف أن يفرض عليك المجتمع بكل حب، وود، ولا شعورياً، أن تتطور بتطوره السريع، مع محافظته على كافة عاداته الأصيلة، وطيبته.

أصبحت أفرح مع كل إنجاز يحدث، وأحزن مع كل مرض أو فترة عصيبة تمر بها المملكة، وأستفز جداً عندما أجد من يحاول الإساءة إليها بأي شكل من الأشكال، كيف لا؟! وقد أصبحت البحرين بضعة مني، وجزء لا يتجزأ من قلبي وكياني.

آخر لمحة

لعل سطوري تصل إلى كل من نسي فضل البحرين عليه، وراح يتنكر لما قدمته له، حتى وإن عاش يوماً واحداً فقط على أرضها.. أتمنى حقاً أن يعود إلى رشده، ويتذكر تفاصيله الجميلة هنا، قبل أن ينعق خارجاً ليسيء إليها.