هناك سياسة إعلامية أمريكية يجب أن تدرس الصراحة يختصرها المثل الشعبي الذي يقول «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر» أو بيت شعر للإمام الشافعي يقول «وعين الرضا عن كل عيب كليلة.. ولكن عين السخط تبدي المساويا».

ولنا في هذه القصة خير مثال وبالإمكان استخدامها كنموذج واضح وصارخ للإعلام إن أراد أن يكون أعمى أو أراد أن يكون بصره 6 على 6 وفقاً لما يخدم أهدافه السياسية.

في 8 نوفمبر أعربت الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء هجمات «داعش» المتصاعدة في أفغانستان، وبالأمس أعربت الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء تصاعد هجمات داعش في جميع أنحاء العراق، ما شاء الله تركيز ونظر 6 على 6.

ثم تتعجب للصمت وغض الطرف الإعلامي والخارجية الأمريكية نائمة عن استهداف قاعدة «التنف» الأمريكية في سوريا بالمفخخات المسيرة الإيرانية، وكانت طائرات مسيرة استهدفت قاعدة «التنف» الأمريكية في 20 أكتوبر والموجودة في شمال سوريا، الأمر الذي وصفته القيادة الأمريكية الوسطى «سينتكوم»، بأنه هجوم «منسق ومتعمد»، حيث انفجرت طائرتان محملتان بكرات وشظايا عند الاصطدام بأهداف في القاعدة، وتم تجنب الخسائر البشرية عبر إجلاء القوات الأمريكية البالغ عددها 200 عنصر، قبل ساعات من الهجوم، إثر تلقيها تحذيرات من الاستخبارات الإسرائيلية والمتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، لم يوجه اتهاماً مباشرًا لإيران، وفضل عدم الكشف عن مزيد من التفاصيل عن الهجوم «المرصد الإستراتيجي».

تضخيم قوة داعش لأغراض سياسية «عين السخط» والصمت عن هجوم إيراني على قواعد أمريكية «عين الرضا» وما تلك السياسة الإعلامية إلا خدمة لأغراض سياسية.

فخطر المسيّرات المفخخة الإيرانية على أمن القوات الأمريكية في المنطقة واقع وليس افتراضياً وهو أكبر بكثير جداً من خطر فلول داعش، لكن السياسة الأمريكية اقتضت أن تتجاهل الخطر الإيراني لأن التصريح بذلك سيتطلب رداً أمريكياً على هذه الإهانة التي وجهت لها وهي لا تريد ذلك، فتفضل أن تبلع الإهانة وتضبط النفس كي لا تضطر إلى رد اعتبارها ويمكن أن يؤثر ذلك على سير المفاوضات في فيينا!!

إنما مسؤولون أمريكيون أكدوا أن إيران هي التي وجهت وزودت مليشيات موالية لها بالمعدات لتنفيذ الهجوم. ورأت صحيفة «نيويورك تايمز»

20 نوفمبر «أن امتناع كيربي عن اتهام إيران، كان يهدف إلى تجنب قلب مسار المفاوضات النووية مع طهران، لكنّ مسؤولين من الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية، أكدوا أن إيران كانت وراء العملية، حيث تم فحص ثلاث طائرات لم تنفجر في ذلك الهجوم، وتبين أنها تستخدم التكنولوجيا نفسها التي تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران في العراق» ذات المصدر.

أيهما أخطر إذاً ويستحق التصريحات المتتالية ويتطلب اتخاذ موقف سريع؟ فلول «داعش» التي مازالت تستخدم العبوات الناسفة وتستهدف بها قوات البشمركة الكردية أم طائرات مسيرة تصل إلى عمق القواعد الأمريكية؟!!

أمريكا تعلم جيداً كما أكد تقرير نشره موقع «إنتلجنس أونالين» في 11 نوفمبر، أن قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، التقى حسن نصرالله في بيروت 27 أكتوبر لإطلاعه على الأولويات الإستراتيجية لطهران، والتي يأتي في مقدمتها: «رحيل القوات الأمريكية من سوريا»، الأمر الذي يثير قلق قائد القوات المركزية في الشرق الأوسط، كينيث ماكينزي، على سلامة القوات الأمريكية التي لا تزال منتشرة في «التنف»، حيث يعمل الحرس الثوري الإيراني على نشر فرق من قوات «الرضوان» التابعة لمليشيا «حزب الله» وسط سوريا للضغط على القوات الأمريكية. ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن مليشيا «كتائب حزب االله» الشيعية الموالية لطهران، بقيادة محمد رضا فالح زادا، ممثل نائب قائد الحرس الثوري حسين اللواء حسين سلامي، هي التي شنت الهجوم، حيث انطلقت الطائرات المسيرة من مطار «تيفور» غرب تدمر، والذي تحتفظ فيه إيران بطائرات مسيرة قامت بتجميعها شركة «الصناعات الفضائية» بمصنع البتروكيماويات في «أصفهان». «المرصد الإستراتيجي».

ورغم ذلك صمتت ولم تصرح تصريحاً واحداً والإعلام اليساري التابع للتيار اليساري وللحزب الديمقراطي صمت هو الآخر تماهياً وتماشياً مع السياسة الأمريكية لنرى كيف يستخدم التضخيم أو التقليل من المخاطر بحسب الحاجة لا بحسب الواقع.. ثم يقولون لنا إن الإعلام يجب أن يكون حراً مستقلاً!!

بالمناسبة ما أخبار «أوميكرون»؟ وما أخبار سعر البترول؟!!