أميرة صليبيخ

لا يمكنك التنبؤ بشكل حياتك ما لم تبادر أنت إلى تولي مهمة قيادتها إلى بر الحلم، خصوصاً إذا كنت قد ولدت في أسرة تحاول إلباسك الثوب التقليدي لها من خلال دراسة تخصص معين، وهذا ما حدث في البداية مع الروائي التركي أورهان باموق حيث أجبر على دراسة الهندسة ليسير على خطى والده وجده وعمه، وقد كان لهم ما أرادوا ولكن لفترة بسيطة.



والد أورهان كان القدوة والمثل الأعلى له، وكان مولعاً بالشعر الغربي وغالباً ما كان يترجم ويقرأ الشعر على مسامع ابنه، فقد أراد أن يكون شاعراً إلا أن تجارته سرقته من تحقيق حلمه واكتفى بمحاولات متواضعة للكتابة التي بقيت مخبئة لسنوات في درجه دون مساس.

ولعل هذا الصراع الذي عرقل أحلام والد أورهان كان السبب الرئيس الذي دفع بأورهان لأن يقرر بأنه لا يريد أن يكون نسخة مكررة من والده، فقرر مخالفة التقاليد وتغيير تخصصه إلى الصحافة، متبعاً الصوت الداخلي لقلبه وهو الصوت الذي سيقلب موازين حياته ويغير أقداره لاحقاً.

لقد ساهمت البيئة المرتوية بالثقافة -التي نشأ فيها أورهان -أن تشكل على نحو خفي شخصية الكاتب الموجود بداخله وظل متشبعاً بالحكايات والشعر الذي سقاه إياه والده، متسلحاً بالمكتبة الضخمة التي ضمت آلاف الكتب في المنزل.

ومع شروعه في تأليف أولى رواياته أدرك باموق أن هذا ما كان دائماً يرغب به وأن لا شيء سيقف في طريق كتاباته.

اليوم يعد باموق واحداً من أهم وأبرز الروائيين العالميين مع مبيعات تتجاوز الملايين وترجمات لرواياته تتجاوز الثلاثون لغة خصوصاً بعد نيله نوبل للأدب عام 2006.

لو بقي أورهان أسيراً لتوقعات أسرته.. هل كنا سنعرفه ذات يوم؟ بالتأكيد لا.