أحداث عنف التسعينات جرت قبل عشرين عاماً، كثيرون ممن كان صغيراً أو ولد بعد ذلك لم يشهدها ولا يعرف عنها الكثير، لأنها ببساطة لم توثق في أفلام أو كتب أو متاحف، ولم تعقد حولها دراسات وبحوث، ولم تعالج معالجة تمحيص وتحليل.
كانت تطرح شعارات إصلاحية تماماً كأحداث 2011، برلمان، عدالة اجتماعية، مكافحة فساد، حقوق إنسان، واتخذت من العنف وسيلة تماماً كأحداث 2011، حرقت بيوت ومنشآت وفنادق ومحلات تجارية ومات فيها رجال أمن وعمال آسيويون، والتطابق يكاد يكون سيناريو مكرراً فقد تصدت لها الصحافة البحرينية حين ذاك وكانت صحيفتا الأيام وأخبار الخليج وحدهما في الساحة، فتصدت بقوة طوال السنوات الخمس التي استمرت بها الأحداث، ردت فيها على أراجيف نشرة «حركة أحرار البحرين» صحيفة «المعارضة» أي قادة حراك العنف حين ذاك (معظمهم أصبحوا وزراء ورؤساء تحرير ونواباً بل ومنهم النائب الأول لرئيس مجلس النواب!!) كانت الصحافة كما هي في أحداث 2011 حائط الصد حينها للرد على أراجيفهم طوال تلك السنوات الحجة بالحجة، وتماماً حين توقفت الأحداث عادت الصحافة للكتابة -كما كانت عليه قبل الأحداث – نكتب حول مواقع الخلل في الدولة وكان سقفنا مرتفعاً في النقد لا للحكومة فحسب بل حتى للدولة ككل ويذكر من عملت معهم في الأيام سواء الأستاذ نبيل الحمر أو عيسى الشايجي كم مرة هددت بالانسحاب من الصحيفة إن مست المقالات، حينها جاءنا من مجموعة حركة أحرار البحرين الذين عادوا للبحرين بعد العفو العام إلى مبنى الصحيفة وهو يستغرب سقفنا المرتفع وانتقادنا، ورأى خطابنا يتفق مع خطاب من سماهم حين ذاك «بالمعارضة» وسأل لم كنت في مواجهتهم؟ ولماذا لم أنضم لهم أو على الأقل لم أوقع على العريضة التي وقع عليها عدد من «السنة»؟ ولماذا وقفت ضد ما سموه حين ذاك «تطلعات الشعب»؟!! لماذا كنت ضد «المعارضة» وموالية للنظام؟ ثم كيف الآن أقف مع تطلعات الشعب وأنتقد الدولة والحكومة وسقف الانتقاد مرتفع عندي، حتى قال لي أحدهم أجد كتاباتك أحياناً أشد وطأة وحدة من خطاب «المعارضة» وكأنك منهم وقال لي آخر كأنك تغردين خارج سرب الموالاة!! (ما أشبه الليلة بالبارحة)
ومرت السنوات تقاطع فيها والتقى فيها خطابنا مع ذات المجموعة التي قبلت أن تشتغل بالسياسة ضمن الإطار الدستوري مرات عدة، وذلك أمر طبيعي (أول من أدخل وجوه حركة أحرار البحرين لتلفزيون البحرين كان برنامج كلمة أخيرة ودافعت عن حقهم في التعبير طالما كان ضمن الأطر الدستورية المشروعة) فلم نختلف يوماً على مواقع الخلل ولا مع أي مطلب إصلاحي، اختلافنا كان دائماً على إدارة الاختلاف لا على فحواه، وهذا الذي عجزوا عن استيعابه إلى اليوم. إلى أن جرت أحداث 2011، فوقفنا منها ذات الموقف الذي اتخذناه عام 1995 رفضاً قاطعاً، إذ لا يمكن أن نصطف مع اللعب خارج الإطار الدستوري تحت أي ذريعة، ولا يمكن أن نضع يدنا في يد من مجد العنف وبرره وفي أحيان كثيرة دعا له وسانده، فقيل عن خطابنا وعنا ما قيل، وسددت لنا ذات الاتهامات التي قيلت في التسعينات، بأننا نقف ضد تطلعات الشعب، وإننا مرتزقة نأخذ أموالنا ونرقص بها على جراحات الشعب!!
رغم مرور 20 عاماً ثبتنا على موقفنا، ورغم مرور 20 عاماً أثبتت حركة أحرار البحرين أنها لا تستطيع أن تخلع ثوب العنف ولم تنجح القوى التي صنفت نفسها على أنها «معارضة» وليس لها من الاسم نصيب في التخلص من ثوب الثورة وارتداء ثوب الدولة، ثم انتهت أزمة 2011 وعاد الأمن والأمان والحمدلله للبحرين، وعدنا كما كنا قبل التسعينات وقبل 2011 أي منذ أن عملنا في هذا البلاط منذ منتصف الثمانيات إلى ذات الموقف الذي والحمدلله لم نتغير ولم نتزحزح عنه، وهو انتقاد ما نراه يستحق الانتقاد والإشارة إلى مواقع الخلل التي نرى أن واجبنا الإشارة لها دونما مراعاة لمن سيزعل ومن لا سيقبل بها، فإن منعنا عن قولها في مساحة الصحيفة كتبناها في وسائل متاحة للجميع، والمضحك أن التساؤل الذي طرح علينا قبل 20 عاماً من قبل ذات الجماعة ومن أجيالهم الجديدة عاد ليطرح من جديد اليوم، ها أنت تكتبين مثل خطاب «المعارضة»!! يا الله وكأن الزمن لم يمر وكأننا لم نتعلم الفارق بين الإصلاح والهدم، الفارق بين الاشتغال والانشغال بالسياسة ضمن الإطار الدستوري والانشغال والاشتغال بالسياسة في الشارع وخارج الإطار المشروع، حيث العنف جائز والاتصال بالخارج مسموح وهدم أسس الدولة وقواعدها هدفاً.
عشرون عاماً من 1995 إلى 2015 لم يرتق من يتصدر للعملية السياسية بوعيه إلى ما هو مسموح ومشروع وما هو محرم وممنوع في العمل السياسي بل ظل محتفظاً بمراهقته السياسية، عشرون عاماً مازلنا نتجادل معه في أبجديات العمل السياسي، لا يفرق بين معارضة وثورة وبين دولة وبين فوضى لن تكون خلاقة في يوم أبداً.
عشرون عاماً انتقدنا فيها أعلى السلطات وأحياناً بقسوة، اختلفنا مع كثير من توجهات القيادة وقراراتها وسياستها علناً وقلنا رأينا ولم نتردد حتى حين منعتنا الصحيفة من النشر أسمعنا صوتنا علناً للجميع، ولكن الشهادة لله لم نجد من القيادة سوى التفهم والقبول والاحترام والرقي والتقدير. أما ما سمعناه ممن سمى نفسه «أحرار البحرين» ومن جوقتهم فلن أعلق إذ إن كل إناء بما فيه ينضح رغم أن كثيراً منهم من بيوت محترمة ومن آباء وأمهات أجلاء. كلنا تعلمنا من هذه التجارب ونضجنا وكبرنا بل هرمنا، إلا هذه المجموعة قادت شارعها إلى مآل سيئ في التسعينات وإلى أسوأ منه في الألفية الثانية، كلنا تحركنا إلى الأمام إلا هذه المجموعة التي ظلت من 1995 إلى 2015 واقفة في مكانها، تخطاها الجميع داخل وخارج البحرين لكنها مصرة على أن الارض والمجرات هي التي تلف حول مجموعتها السياسية!!