يروى على سبيل الطرفة والتندر أن راقصة صادفت الأديب المصري نجيب محفوظ في أحد مواقف السيارات، وعندما أرادت الصعود إلى سيارتها الفارهة، كان الأديب يهم بالصعود إلى سيارته القديمة، فسلمت عليه ونظرت إلى سيارته قائلة: شفت يا أستاذ الأدب وصلك لفين؟! فقال لها، «آه شفت.. وشفت كمان قلة الأدب وصلتك لفين».
هذه الطرفة تنطبق على واقع العراق هذه الأيام، فأمثال نجيب محفوظ لم يكن نصيبهم الجوع والتنكيل والقتل فحسب، لكن يضاف له عدم التأثير في المشهد بأي شكل من الأشكال وإن أثروا فهم ليسوا أكثر من وقود للصراع، في المقابل أدوات التأثير الحقيقية هم طبقة من طبقات المجتمع لم يكن لها ظهور في السابق، بل كثير من أهل العراق لم يعرفوهم في السابق، لتكون الراقصة التي قابلها نجيب محفوظ هي أجل وأرفع مقاماً منهم، وأقول إنهم أدوات التأثير، لأن المؤثر الحقيقي دولي وليس عراقياً متمثلاً بإيران من جهة وأمريكا من جهة أخرى، وهؤلاء مجرد أدوات له، ومع أن كل أدوات التأثير وضيعة إلا أن أدوات إيران تعد نموذجاً في الهمجية والتخلف وسهولة التحريك، وما يحصل اليوم في العراق من مسرحيات خطرة، لا تتجاوز كونها صراعاً على النفوذ والسيطرة بين أمريكا وإيران، كان زمام المبادرة فيه لإيران التي شعرت بإمكانية قرب انحسار نفوذها في العراق وتراجع مشروعها، وقد استشعرت ذلك من خلال مجموعة مؤشرات منها منع ميليشياتها في العراق من القتال في الأنبار وإبلاغ هذه الميليشيات بعدم السماح لها بالمشاركة في القتال المزمع في الموصل، بالإضافة إلى التركيز الغربي على دعم قوات البيشمركة الكردية، لذا بادرت بخلط الأوراق بسرعة ومحاولة تغيير اللعبة السياسية التي وضعتها أمريكا في العراق.
باختصار الوضع الحالي في العراق، صراع شيعي شيعي بين طرف تدعمه إيران يريد إنهاء المحاصصة الطائفية التي وضعتها أمريكا ليبسط النفوذ الشيعي على العراق بأكمله ويلغي دور البرلمان الذي يعتبره معطلاً لبعض مشاريع إيران ليصبح النظام السياسي في العراق نظاماً جمهورياً تابعاً لإيران بالكامل، وبين طرف آخر تدعمه أمريكا يرى أن الوقت لم يحن بعد لمثل هذه الخطوة ولابد الآن من استمرار المشاركة السياسية بين الشيعة والأكراد والسنة «الذين لا يمثل المشاركون منهم إلا أنفسهم»، وقد وجدت إيران في مقتدى الصدر وتياره خير من ينجز هذه المهمة كونه كان ولايزال طوق النجاة الإيراني في كل أزمة تتعرض لها في العراق وله جمهور يسهل تحريكه واللعب به، فتدفعه ليهتف «إيران.. بره.. بره»، بينما زعيمه يغفو بين أحضانها، وبالنسبة له فما يفعله يحقق المكاسب الكبيرة فيزيد من تمثيله في الحكومة وبذلك يزيد من قوته وأمواله، وتحقق به إيران نفوذها الأوسع في العراق، لكن جمهوره سيبقى مسحوقاً وأداة بيده وبيد حزبه، ولأنه جمهور لا يفكر فهو غير معني بإرضائه.
ربما هذه المسرحيات هي البداية في وضع عراقي مستقبلي سيئ للغاية، لا لغة فيه إلا لغة القوة.