أبوذر حسين



أكد القانوني والخبير الدولي في الأخطاء الطبية د.خالد الدويري أهمية وضع آلية معينة وصحيحة للحد من الأخطاء الطبية في البحرين، وإيجاد قانون عصري خاص بالمسؤولية الطبية -الذي يعتبر حالياً أهم من ساعات العمل التدريبية- وفقاً لما هو معمول به في دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا، مشيراً إلى أن هيئة المهن الصحية ليس لها دور في تحديد الأخطاء الطبية من عدمها وأن هذا اختصاص اللجان الطبية.
وأوضح الدويري لـ»الوطن» أن زيادة الأخطاء الطبية بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة دعا صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء من واقع بعد نظر سموه وبصيرته النافذة إلى التوجيه والتشديد على المحاسبة، لافتاً إلى ما أسماه بالقصور التشريعي والرقابي من «الهيئة» بتطبيق القانون من الناحية الموضوعية.
ونوه إلى أهمية الشفافية في الإعلان عن الأرقام الصحيحة لشكاوى الأخطاء الطبية المرفوعة ضد الأطباء، وماهية الإجراءات التي قامت بها الجهة المختصة، حتى يكون المواطن والمقيم على بينة من أمره وتزداد ثقته في تقديم الخدمة الصحية.
وقال الدويري حول الإجراءات الفنية التي اتخذتها هيئة المهن والخدمات الصحية، إن الهيئة تعتبر ذات اختصاص أصيل في تنظيم المهنة وعمل ما هو لازم للحد نوعاً ما من الوقوع في الأخطاء الطبية وهذا ما أكدته المادة 3 من القانون رقم 38 لسنة 2009 الخاص بإنشاء الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية على أن «تهدف الهيئة إلى مراقبة تطبيق نظام المهن والخدمات الصحية بمملكة البحرين واقتراح تطويرها، ولكن تبرز المهمة الصعبة في كيفية الرقابة التي يجب أن تكون شديدة وصارمة على المنشآت الصحية العامة والخاصة في المملكة، حيث يجب تطبيق بنود القانون الخاصة بذلك بكل شفافية لتحقيق الأهداف المرجوة والمطلوبة من وراء وضع القانون».
وأضاف، «أعني التطبيق من الناحية الفنية على تلك المنشآت الصحية، حيث يجب على الهيئة تدقيق شهادات الأطباء غير البحرينيين المزاولين للمهنة، وكذلك كل من له علاقة بالعمل في المنشأة الصحية، ومن المقترحات للهيئة الحد من الأخطاء الطبية للعاملين بها ليس فقد اعتماد ساعات التعليم المهني الإجباري وإنما إلزام المستشفيات بإرسال أطبائهم في مؤتمرات عملية طبية وتسهيل إجراءات ذلك، حتى يكون الطبيب على علم بكل ما هو جديد، وكذلك ساعات عمل الأطباء يجب أن تكون معقولة حتى يقدم الطبيب العناية الطبية اللازمة للمريض من التشخيص الصحيح إلى العلاج و إلى ما بعد العلاج أو التدخل الطبي. فضلاً عن إرسال الأطباء بدورات وورش عمل تدريبية بشكل مستمر وهذا يعتبر شرطاً لازماً لترقية الطبيب، علماً بأن الأخطاء الطبية تشمل كل ما هو له علاقة بتقديم العمل الطبي للمريض، المرافق، والطبيب، الممرض.. إلخ
وأوضح د.الدويري أنه يمكن اختصار الخطأ الطبي بأنه بذل الجهود الصادقة اليقظة التي تتفق والظروف القائمة والأصول العلمية الثابتة بهدف شفاء هذا المريض وتحسين حالته الصحية وأي إخلال بهذا الالتزام يعتبر خطأ طبياً تترتب عليه مسؤولية قانونية تأديبية».
وقال «كوني خبيراً دولياً مختصاً في ملف الأخطاء الطبية، ولي خبرة تزيد عن 20 عاماً، أحب أن أوضح شيئاً في غاية الأهمية وهو أن الهيئة ليس لها أي دور «كقاضٍ» بالنسبة لتحديد الخطأ من عدمه، وما يستوجب المسؤولية القانونية، وإنما دورها تأديبي تجاه العاملين بالمنشآت الطبية من عقوبة إنذار أو خصم من المرتب. وفقاً للمرسوم بقانون رقم (7) لسنة 1989 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان في المادة (27) التي تقر بمسؤولية الطبيب المقصر.
وشدد الدكتور خالد الدويري بأن الهيئة فقط يكون دورها تأديبياً تجاه مرتكب الخطأ كونها صاحب الاختصاص الأصيل بالإشراف والرقابة المباشرة على المنشآت الطبية في المملكة، ولكن ليس لها أي دور بتحديد وجود الخطأ من عدمه وهذا يجب أن يكون شريكاً للجنة الطبية العليا. ويجب في هذا الشأن تغليب المصلحة العامة على الخاصة».
وبشأن رؤية صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بضرورة محاسبة المتسببين في الأخطاء الطبية، قال د.خالد الدويري «إن التوجيهات هي في مكانها وناتجة عن بعد نظر سموه في هذا الشأن حيث زادت حالات الأخطاء الطبية بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة. نتيجة قصور تشريعي ورقابة صارمة من الهيئة بتطبيق القانون من الناحية الموضوعية، وموضوع الأخطاء الطبية يحصر أرواحاً كثيرة من الناس ويسبب لهم نتائج سلبية بسبب التدخل الطبي أياً كان نوعه».
وأضاف أنه «لا بد من وضع آلية معينة صحيحة للحد من الأخطاء الطبية وهذا هو مطلب وتوجيهات صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء»، مستدركاً «بكل تأكيد نحن لا نستطيع إنهاء مسلسل الأخطاء الطبية حتى على مستوى العالم وإنما لدينا القدرة بالتقليل منها إذا طبقنا القانون».
وأوضح أن من الإجراءات المهمة لتقليل الأخطاء الطبية ليس فقط ساعات العمل التدريبية للأطباء والعاملين في المجال الصحي وتشديد الرقابة ونظام الجودة، وإنما هناك شيء أهم وهو إيجاد قانون عصري خاص بالمسؤولية الطبية يحكم الأخطاء الطبية بدلاً من الرجوع للقواعد العامة، وهذا ما هو معمول به في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والإمارات العربية والمتحدة والمملكة الأردنية، حيث تحتوي معظم هذه القوانين على عدة محاور أساسية أبرزها: تحديد مفهوم الخطأ الطبي، وإلزام المستشفيات بتدريب وتطوير الكادر الطبي من دورات وورش عمل مستمرة ومؤتمرات إقليمية ودولية حتى تطلعهم على آخر المستجدات الطبية في العالم، والتأمين الإلزامي على الأطباء، وهذا الأمر يحد من الأخطاء الطبية ولا يشجع على ارتكابها أو الإهمال بها كما يدعي البعض، حيث إنه في الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر ذلك شرطاً لمزاولة مهنة الطب بشكل صحيح.
وإذا أوجدنا آليات معينة صحيحة بالمقارنة مع الدول المتقدمة ووطناها في البحرين سوف نكون قد عملنا بالفعل على تقليل الأخطاء الطبية.
كما يجب أن نكون أكثر صراحة في إعطاء الأرقام الصحيحة بالنسبة للشكاوى التي ترفع ضد الأطباء وما هي الإجراءات التي قمنا بها حتى يكون المواطن والمقيم على بينة من أمره وتزداد ثقته في تقديم الخدمة الصحية.
ونوه إلى أن الطبيب بشر يمكن أن يخطأ ولهذا السبب القضاء لا يسأل الطبيب عن الخطأ اليسير أو البسيط وإنما الجسيم، وهذا ما يستلزم وجود قانون خاص بالمساءلة القانونية للطبيب الذي يحدد نوع الخطأ الطبي ودرجاته الموجب للمسؤولية، وهناك بعض أوجه التقصير والإهمال من الطبيب لا يحتاج إلى رأي خبير في تحديد الخطأ الطبي من عدمه وهو الخطأ المفترض، كما يجب إيجاد لجنة طبية عليا مختصة تابعة لوزارة الصحة، مهمتها تحديد وجود الخطأ من عدمه، وهذا ما هو معمول به في أمريكا وأوروبا و الإمارات والأردن. وذكر أنه لما تتمتع به البحرين من سمعة جيدة بالنسبة لتقديم الخدمات الصحية لدول المنطقة والسياحة العلاجية في الفترة الأخيرة، يجب أن نطور تقديم الخدمات الطبية قدر المستطاع مع وجود رقابة شديدة وصارمة من الدولة بخصوص ذلك، ورفع قوانين خاصة تحكم موضوع الأخطاء الطبية، لافتاً إلى أن البحرين تشهد تطوراً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والتعليمية وبشكل خاص تشهد تقدماً ملحوظاَ في القطاع الصحي والطب السياحي، مما يحتم علينا أن نحافظ على هذا القطاع بالاستمرارية وتقديم الخدمات الأفضل عن طريق تفعيل الرقابة ووضع قوانين خاصة تحكم المنشآت الصحية، ومن هنا تبرز أهمية رؤية صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بخصوص ذلك.
ويحمل د.الدويري درجة الدكتوراه في الأخطاء الطبية من جامعة غرناطه إسبانيا بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وعميد كلية الحقوق. وعميد البحث العلمي والدراسات العليا، ، كما يحمل درجة أستاذ مشارك.