الموصل - (الأناضول): «أم عذراء»، شابة موصلية لم تكمل عامها الثاني والعشرين، فقدت زوجها خالد محمد منتصف شهر أكتوبر الماضي بنيران قناص لتنظيم الدولة «داعش». رفضت في بداية الأمر التحدث عن قصتها، لكنها اقتنعت في النهاية بالحديث من وراء ستار خيمتها في مخيم «حسن شامي» شرق مدينة الموصل شمال العراق.
أجهشت «أم عذراء» بالبكاء قبل أن تسرد قصة فقدانها زوجها قائلة «خرج من منزلنا في حي عدن شرق الموصل حاملاً معه براميل من أجل تعبئتها بالمياه من البئر، بعد انقطاعها عن الحي لأسابيع، ولم تمضِ سوى عشر دقائق حتى تحول أبو عذراء إلى جثة على قارعة الطريق بعد أن أصابته رصاصة قناص في رأسه».
وتابعت «خرجت إلى الشارع لم أصدق مشهده والدماء أخفت ملامح وجهه وانتابتني موجة صراخ هزت الشارع، وبكى على وقعها كل من سمعها، فقدت بعدها الوعي ولم أعد إلى الواقع إلا في اليوم التالي».
بعد مقتل زوجها لم تجد «أم عذراء» أمامها مخرجاً سوى النزوح لأنها ليست قادرة على إعالة طفلتيها الصغيرتين وللخلاص من مسلحي «داعش» الذين يعمدون إلى تزويج الأرامل لعناصره بالإكراه.
لا تختلف حال أم عذراء عن الكثير من الأرامل الأخريات في مخيمات النازحين المنتشرة على تخوم الموصل، فبين خيمة وأخرى هناك قصة تفطر القلب وتبكي العين.
وعلى بعد أقل من 10 أمتار عن خيمة «أم عذراء» تقطن «رنا» في خيمة أخرى، روت قصتها قائلة إنها تزوجت من ابن عمها أنمار قبل بدء معركة الموصل بأيام معدودة ليقيما معاً في حي القدس شرق المدينة، ومع احتدام المعارك قرر زوجها إرسالها إلى بيت عائلتها في حي شقق الخضراء شرق الموصل كي يصفي بعض أعماله ويلحق بها ومن ثم يغادران المدينة معاً. لكن «رنا» تلقت بعد يومين من فراق زوجها نبأ مقتله وجميع أفراد أسرته المكونة من 6 أشخاص جراء غارة لطيران التحالف الدولي استهدفت صهريجاً مفخخاً لتنظيم الدولة «داعش» كان قرب منزلهم. وتقول بحرقة «ما يجعلني أتحمل ألم فراق زوجي أن في أحشائي طفلاً ينمو منه، وأنا في انتظاره لأرى فيه ملامحه من جديد وأشم عطره». وتضيف أنها ستسمي المولود باسم زوجها أنمار ذكراً كان أم أنثى.
في مخيم «حسن شامي» وحده توجد 361 امرأة فقدن أزواجهن خلال معركة الموصل، بحسب مسؤول العلاقات وتنظيم شؤون النازحين في المخيم عدي يونس الطائي.
وأشار الطائي إلى وجود أعداد كبيرة من الأرامل في مخيمات النازحين الأخرى المنتشرة في أطراف الموصل، فضلاً عن وجود أخريات داخل المدينة فضلن البقاء في منازلهن. ويؤكد المراقب للشؤون الإنسانية في الحملة العسكرية الجارية لاستعادة الموصل سامر يوسف أن أغلب نساء الموصل اللاتي يفقدن أزواجهن يقررن الهرب من المدينة لتجنب الوقوع في قبضة التنظيم وإرغامهن على الزواج بالمقاتلين في صفوفه تحت تهديد السلاح.
ويبين يوسف أن التنظيم يرسل مجموعة من النساء التابعات له إلى الأرامل لإقناعهن بالزواج من مقاتليه، ومن ترفض يتم القبض عليها واحتجازها بأحد السجون وإخضاعها إلى دورات متعددة، تتمحور دروسها حول أهمية الزواج وخطورة البقاء وحيدات لفترة طويلة.
«خالدة»، أم لثلاثة أطفال أكبرهم سناً يبلغ 9 أعوام، قتل زوجها بطريق الخطأ بنيران القوات العراقية نهاية أكتوبر الماضي، أجهشت بالبكاء فور سؤالها عن واقعة مقتل زوجها. وروت قصتها بينما كانت يداها تحت عباءتها السوداء الفضفاضة، عن كيفية مقتل زوجها أمام عينيها وأعين أطفالها عندما كانوا يهمون بالفرار، وسط الاشتباكات داخل حي الزهراء الذي كانوا يقيمون فيه شرق المدينة.
وظن الجنود العراقيون أن زوجها أحد انتحاريي «داعش» وسط الظلام، حين كان يحاول تفقد الطريق أمام عائلته قبل التقدم للفرار من جحيم المعارك، فأطلقوا عليه النار وسط عويل الزوجة وصراخ الأطفال.
حاول الجنود إصلاح الموقف بإسعاف الضحية، لكنه فارق الحياة على الفور، ولن يفارق المشهد مخيلة خالدة طالما بقيت على قيد الحياة.
أرملة أخرى اكتفت بذكر الحرفين الأولين من اسمها فقط «ز.م»، روت عبر الهاتف من داخل الموصل حادثة فقدان زوجها التي وقعت صباح 17 أغسطس الماضي، عندما اقتحمت مجموعة مسلحة من تنظيم الدولة منزلهم في حي النجار غرب الموصل، واقتادت زوجها إلى جهة مجهولة.
وبعد يومين من اختطافه جاء 3 مسلحين إلى الدار، وطلبوا من والده الحضور في اليوم التالي إلى منطقة باب الطوب وسط الموصل كي يرى ابنه.
وتشير إلى أن والد زوجها ذهب في صباح اليوم التالي، وبعد قرابة الساعتين عاد، لكنه لم ينطق بكلمة واحدة إلا بعد أكثر من 3 ساعات ليبلغهم أن التنظيم أعدم ابنه بتهمة «خط شعارات مناهضة للتنظيم» على جدران الأبنية.
وتقول إن أكثر ما يؤلمها يومياً، ولا تقدر على نسيانه، أن مسلحي التنظيم لم يسلموا جثة زوجها وحرموها من زيارة قبره.
وتساءلت نيابة عن نفسها وعن بقية الأرامل عن المسؤول عن فقدانهن أزواجهن، وما إذا كانت الأيام ستردم الفجوة في أنفسهن وتحيي من جديد شعورهن بالحياة.