عندما قدر لي أن ألتحق بركب «المؤسسة الخيرية الملكية» التي أسسها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه في عام 2001، لم أعلم أن هذا المكان سيكون بالنسبة لي «البيت العود» أو «المحضن الخيري الجميل» الذي أقتبس منه زاد الحياة، ويكون لي طريقاً نحو إرضاء ربي، ونوراً يجدد في نفسي معاني الأمل.. 11 سنة قضيتها في ركب هذه المؤسسة العامرة بالخير من أصل 15 سنة واصلت فيها المؤسسة عطاءها في خدمة الأيتام والأرامل والمحتاجين داخل البحرين، وحزمة من المشروعات الخيرية التي رفعت اسم مملكة البحرين عالياً في أكثر من موطن.
ومع هذه المسيرة الخيرة التي انتقلت خلالها لإدارة العديد من البرامج والمشروعات والأقسام، فإني أحتاج بين الفينة والأخرى بأن أجدد في نفسي قبل الآخرين العديد من معاني الخيرية التي اعتدت أن أراجعها، ثم أسكب معانيها في نفس كل من أحب، وكل قريب وصاحب عمل معي من أجل حب ما عند الله تعالى وأجور الآخرة.. ولا أجامل أبداً عندما أكرر الحديث عن هذه التجربة التي استفدت منها كثيراً في مسيرتي.. فيكفيني شرفاً أن أعمل في محضن أمضي إليه كل يوم لأستزيد من معاني الخيرية وأكون في ظلال الرحمة ودعاء الصالحين.. ثم الشرف الآخر بأن يكون «ملك البلاد» حفظه الله الرئيس الفخري لها وابنه الشاب ناصر الخير قائدها المتجدد في عطائه.
ولكل من حباه المولى الكريم العمل في هذه المؤسسة العامرة عليه أن يتذكر هذه المعاني دون أن يحيد عن فهمه للغاية التي يعمل من أجلها في هذه الدنيا.. تذكر أنك تخدم الأيتام والأرامل وتساعد المحتاجين «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله».. وحافظ على خير بين أناملك.. نمه واسقه من عطائك.. ولا تكن كمن يتحسر على قيمته عندما يفقده فقط! وكن حكيماً ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.. وليكن أثرك البائن سيرة جميلة تتركها عندما تغادر المكان يوماً ما.. كن كالنملة عندما أحسنت الظن بسيدنا سليمان «وهم لا يشعرون».. وكن كالهدهد عندما غاب ليعود بمشروع إيجابي.. فلم ينتظر الأمر «جئتك من سبأ بنبأ يقين»..
• من الجميل أن تبصر اللحظات الجميلة في حياتك، والأجمل أن تلامس تلك البذور الصغيرة التي أضحت اليوم ثماراً يانعة.. جميل جداً أن يوفقك المولى الكريم أن تشهد فرحة تلك الثمار البهيجة.. وبحمده وتوفيقه يبلغك أفراحاً عديدة تسعدك وتجدد في نفسك الكثير في مسير الحياة.. مثل هذه المواقف أنت بحاجة ماسة إليها في ظل تحديات الحياة الساخنة.. لقد سعدت مؤخراً بحضور عقد قران الشاب جاسم المانع أحد طلبتي النجباء في مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين، والآخر ياسر الكوهجي أحد طلبتي في مركز تحفيظ القرآن الكريم.. فرحة جميلة أن يمسك بيدك لتصور معه، من أمسكت بيده يوماً ما تأخذ بيده في طريق الخير، وتعلمه علوم الدنيا والدين.. نحتاج مثل هذه المواقف المؤثرة لنمسح من أنفسنا غدر الهموم وهواجس النفوس.. بارك الله لهما وبارك عليهما وجمع بينهما في خير.
• ذكر ابن حزم في كتابه «طوق الحمامة»: أنه كان في الأندلس تاجر مشهور، وقع بينه وبين أربعة من التجار تنافس، فأبغضوه، وعزموا على أن يزعجوه، فخرج ذات صباح من بيته متجهاً إلى متجره، لابساً قميصاً أبيض وعمامة بيضاء، لقيه أولهم فحياه ثم نظر إلى عمامته وقال: ما أجمل هذه العمامة الصفراء.. فقال التاجر: أعمى بصرك، هذه عمامة بيضاء. فقال: بل صفراء، صفراء لكنها جميلة. تركه التاجر ومضى، فلما مشى خطوات لقيه الآخر، فحياه ثم نظر إلى عمامته وقال: ما أجملك اليوم، وما أحسن لباسك، خاصة هذه العمامة الخضراء، فقال التاجر: يا رجل العمامة بيضاء. قال: بل خضراء. قال: بيضاء اذهب عني. ومضى المسكين يكلم نفسه، وينظر بين الفينة والأخرى إلى طرف عمامته المتدلي على كتفه ليتأكد أنها بيضاء. وصل إلى دكانه، وحرك القفل ليفتحه، فأقبل إليه الثالث: وقال: يا فلان، ما أجمل هذا الصباح، خاصة لباسك الجميل، وزادت جمالك هذه العمامة الزرقاء. نظر التاجر إلى عمامته ليتأكد من لونها، ثم فرك عينيه، وقال: يا أخي عمامتي بيضاء. قال: بل زرقاء، لكنها عموماً جميلة، لا تحزن. ثم مضى.. فجعل التاجر يصيح به: العمامة بيضاء.. وينظر إليها، ويقلب أطرافها. جلس في دكانه قليلاً، وهو لا يكاد يصرف بصره عن طرف عمامته، دخل عليه الرابع، وقال: أهلاً يا فلان، ما شاء الله! من أين اشتريت هذه العمامة الحمراء! فصاح التاجر: عمامتي زرقاء، قال: بل حمراء. قال التاجر: بل خضراء. لا لا بل بيضاء، لا زرقاء.. سوداء.. ثم ضحك، ثم صرخ، ثم بكى، وقام يقفز! قال ابن حزم: فلقد كنت أراه بعدها في شوارع الأندلس مجنوناً يحذفه الصبيان بالحصى!
بهذا الأسلوب استطاع هؤلاء أن يغيروا «عقل» هذا الرجل وليس طبائعه فقط، لذا لا يستسلم الواحد منا لنفسه، بل لا يستسلم لطبائع النفوس.. بل بإمكانك أن تغير من طبائعك إن كنت قوي الإرادة والعزم.. حينها بإمكانك أن تكون «مدرساً» لتغيير طبائع الآخرين بشرط أن تكون قريباً إلى قلوبهم ومشاعرهم، فأنت «خليفة في الأرض» للتغيير ونشر الخير.. وابدأ بنفسك، ولا تستسلم لطبائع النفس المشينة التي قد ترديك إلى منحدرات الشرور وبغض الآخرين!
ومضة أمل
لا تغادر ومضات الأمل بمجرد أنك أحسست بالظلم.. الأمل يتجدد في كل لحظة.. بابتسامتك ويدك المعانقة للسعادة.. ستكون الشخصية التي يحبها كل الناس.