عانت البحرين ممن يريد أن يلعب بتاريخها السياسي، ويطوعه لأجل مصالحه ومكاسبه الفئوية، والتي من ضمنها مساعي اختطاف البحرين، بما يتوافق مع مخططات وأطماع منذ عقود ومستمرة ليومنا، عرابتها إيران، والتي سعت بشتى الوسائل والطرق لاستهداف البحرين، سابقاً عبر التهديد المباشر، واليوم عبر صناعة العملاء والاستفادة من الخونة وبائعي الولاء.

لكن أكثر ما تضرر من هذه المسألة، هم أولئك الذين باتوا يسيئون لتاريخ «الحركة الوطنية» في البحرين، وقبلوا بأن يمسحوا تاريخها ويرموه في الوحل، مصورين بأن «مناضلي» البحرين في فترة الوصاية الأجنبية، هم مناضلون ضد النظام والحكم، وأن من اعتلى منصة دوار الانقلاب هم امتداد لهم. هذا الواقع المغلوط، يرد عليه عشرات الأشخاص، خاصة ممن كانوا جزءاً من الحركة الوطنية في السابق، الحركة التي كانت بحرينية خالصة وقبل استيلاء الخميني على حكم إيران، وبدء مشروع التمدد الصفيوني وتنفيذ خطة الامتداد المذهبي القائم على التبعية العمياء للمرشد والولي الفقيه. رد كثير من البحرينيين أصحاب التاريخ الوطني الحافل على هؤلاء، ورفضوا أن يتم «تدنيس» تاريخهم من قبل أشخاص يريدون أن يوهموا الناس بأن تلك الحركات، سواء أكانت جبهة شعبية أو تحريراً وغيرها من المسميات، كانت منذ تلك العقود تعمل بنفس الأسلوب الحالي، وتناهض نفس الظواهر.

قلناها مراراً، بحسب ما قرأناه عن تاريخنا البحريني «النظيف»، وبحسب ما درسنا إياه أباؤنا وأجدادنا المخلصون لتراب أرضهم، بأن الحركة الوطنية في بدايات القرن الماضي ووصولاً لفترة استقلال البحرين، كانت «حركة وطنية بحرينية»، تعمل لأجل البحرين، تسند النظام الشرعي، وتعمل معه لأجل الخير للبلد وأهله، وإن انتقدت فإنها تنتقد نقد محب، وإن استهدف البحرين شر خارجي، هبت ووقفت لجانب قيادتها وشرعيتها.

لكن من «يحومون» اليوم في المجالس، و«يلعلعون» في القنوات الخارجية، هؤلاء لا يمثلون أي حركة وطنية، بل يمثلون «حركة انقلابية» بامتياز، يشوهون صورة بلادهم عن قصد وعمد، وصلوا لمستوى السعي لقلب النظام وتغييره، وهم يعلمون قبل غيرهم، بأنهم إذ يقدمون لإيران خدمة جليلة، وفي نفس الوقت يدركون بأن من معهم ويقف في صفهم من «وفاق» و«حق» وغيرها، هي جمعيات ولائية طائفية، لم تكن في يوم ذات إخلاص تام للبحرين، بل إن ولاءها للمرشد الإيراني وطاعتها لوليها الفقيه، أكبر من إخلاصها للبحرين.

هؤلاء للأسف، ومن يطلقون على أنفسهم «ليبراليين» وهم في الحقيقة قدموا أنفسهم بأوضح صورة على أنهم «تبع» و«أذيال» لجمعية الوفاق ووليها الفقيه ومرشدها الإيراني، هؤلاء هم من كتبوا «وفاة» تاريخ الحركة الوطنية في البحرين، هم من شوهوا تاريخ المناضلين الوطنيين، وجعلوا الأجيال الشابة تعتقد وتؤمن بأنهم يتحدثون عن ماضٍ فيه من الخيانة للدولة وللشرعية ومن الارتماء في أحضان إيران الكثير. بالتالي أعلن هؤلاء بالفعل نهاية «الحركة الوطنية» في البحرين بالإساءة لها وتشويه تاريخها، لكن في المقابل وبسبب انقلابهم وبسبب استعدائهم الدولة وشعب البحرين المخلص لبلاده والذي لم تجد الطائفية الوفاقية له طريقاً، ولدت «حركة وطنية أكثر قوة»، ولدت «الحركة الأكثر وطنية» عما سبق، فإن كانت تلكم الحركة التي دنس تاريخها الانقلابيون وقفت لتقاوم المستعمر، فإن «الحركة الوطنية الأقوى» وقفت في عصرنا الراهن لتحمي بلادها من طمع الأجنبي وغدر الخائن ومساعي المنقلبين، هذه الحركة وقفت مع البحرين وحفظت ترابها، وذكرت لحكامها تاريخهم الناصع في بناء الدولة والحفاظ عليها، وقفت مع الشرعية، وردت بقوة على ادعاءات كل أفاق وكاذب وبائع لوطنه، ساعٍ للمغنم الشخصي والكرسي وتولي المقدرات، وقفت لتعلن له بأن «استفزاز» المخلصين، لن ينتج إلا «حركة أكثر وطنية» من أي حقبة مضت. بالتالي حينما يتغنى الخائن بالوطنية ويتباكى على الماضي وعلى تاريخ البحرين، يأتيه الرد بأن «شلت» ألسن الكاذبين الذين لا يقوون على الرد بحرف على إيران، ولكنهم لشتم البحرين والتطاول عليها يتحولون لمنصات كذب وتلفيق ومبالغات.

من أصدق ما قيل عن مفهوم الحركة الوطنية في البحرين، ومن أعمق التوصيفات والتشخيصات للوضع الحالي الذي يمر به هذا المفهوم، ما كتبه الكاتب والباحث المخضرم الأستاذ عبدالله المدني في مقاله أمس في الزميلة صحيفة «الأيام»، والذي أقتبس منه ما يلي:

«نعم، كانت هناك حركة وطنية في البحرين (...) لكن ما يحسب لتلك الحركة آنذاك أنها حافظت، على الأقل، على أغلى ما تملكه البحرين وهو وحدتها الوطنية ومجتمعها التعددي المنفتح البعيد عن الإقصاء والكراهية والتضييق الاجتماعي. أما اليوم، فإن الكيانات التي تصف نفسها تارة بالحركة الوطنية، وتارة أخرى بالحركة الديمقراطية، لا علاقة لها البتة بالوطنية والديمقراطية. فمنذ أن وقف قادتها في الدوار المشؤوم في فبراير 2011 تحت يافطة «باقون حتى يسقط النظام» وهم متشابكو الأيدي، نــُزعتْ عنها صفة «الحركة الوطنية»، وصارت أقرب إلى «الحركة الانقلابية». فالوطني الحق، سواء أكان فرداً أو تنظيماً، هو الذي يدافع عن كينونة وطنه ضد الأعداء والعملاء والمؤامرات الخارجية، بغض النظر عن موقفه من النظام الحاكم. وبكلام آخر فإن صفة «الوطني» لا يمكن إطلاقها على من أراد الشر لوطنه، ومن تحمس لمؤامرات الأعداء بهدف الاستيلاء على مقدرات الأمور فيه تمهيداً لتحويله إلى وطن ذليل تلعب فيه الأصابع الإيرانية ويمزقه النفس الطائفي البغيض على نحو ما جرى ويجري اليوم في العراق الشقيق». انتهى الاقتباس هنا، ودعوتي لإعادة قراءة ما كتب والتمعن فيه، ولنتذكر بأن الحركة الوطنية الأكثر وطنية في تاريخ البحرين، هي تلك التي وقف فيها شعب البحرين المخلص قاطبة، ضد تلك الفئات التي سعت لتنفيذ عملية انقلاب خادمة لأطماع إيران، ومن زرعتهم بين ظهرانينا من أتباع وعملاء.