تثير مصارعة الديوك حماسة كبيرة في مدغشقر إذ لا يتوانى هواة متابعة هذه المبارزات عن دفع مبالغ طائلة على رغم الوضع الاقتصادي المتردي للسكان.

في ضاحية العاصمة أنتاناناريفو، يرتدي مدرج أمبوهيمانغاكيلي المسقوف أهمية على صعيد مصارعة الديوك توازي تلك العائدة لقاعة ماديسون سكوير غاردن الشهيرة في نيويورك للملاكمة.

وفي يوم مشمس، يتواجه ديكان على أرضية عشبية اصطناعية تمثل حلبة المصارعة وسط الريش المتطاير وبقع الدم المنتشرة في المكان. وقد توافد مربو ديكة من مختلف أنحاء الجزيرة الإفريقية للمشاركة في مبارزات هذه البطولة الكبرى مع أفضل ما في مزارعهم من ديوك في ظل أجواء حماسية انعكست بمراهنات قياسية.



وفي هذه المعركة وحدها، تخطت قيمة الرهانات 12 مليون أرياري (3715 دولارا)، وهو مبلغ طائل في هذه الجزيرة الكبيرة التي لا يتخطى متوسط الأجور الشهري فيها خمسين دولارا. وعلى المدرجات، يتبادل المتفرجون الذين توافدوا بالمئات إلى المكان رزم الأموال.

ويوضح ريجا وهو أحد مربي الديوك المشاركين في المنافسة "كل فريق يراهن بمبالغ معينة على ديوكه قبل المبارزة ثم يعمد المتفرجون إلى المراهنة بدورهم. المبالغ الموضوعة طائلة لكن الأمر هنا موضع شغف. الناس يحبون ذلك".

ورغم الجو المرح الذي يسود على المدرجات، المعركة بين الديوك تخضع لضوابط مشددة بمراقبة حكم يواظب على استخدام صافرته في الوقت الضائع.

وعند كل استراحة، يصطحب المربون ديكتهم إلى زاوية الحلبة لمداواة جروحها بعناية باستخدام اسفنجة صغيرة مبللة بالماء.

تقليد من آسيا

ولمصارعة الديوك جماهيرية كبيرة في آسيا وأميركا الجنوبية، وهي ممارسة تعود إلى حقب التاريخ القديم بحسب أخصائيين في الموضوع. وعلى رغم ندرة انتشارها في افريقيا، تعتبر هذه المبارزات في مدغشقر تقليدا موروثا من موجات الهجرة الآسيوية إلى الجزيرة قبل أكثر من سبعة قرون.

وأثارت هذه المعارك اهتماما كبيرا لدى حكام الجزيرة وتحولت إلى ما يشبه الرياضة الوطنية. كما أن الانتقادات التي تطاولها في مدغشقر تكاد تكون منعدمة.

ويقول منظم الدورة سيترا راباريناندريانينا إن مصارعة الديوك في مدغشقر "تقليد قبل أن تكون منافسة. حتى أن شعبيتها تتخطى تلك العائدة لكرة القدم".

وبعيدا من ضوضاء المدرج، يقوم لوفاتينا رافوافي في مزرعته التي تضم حوالى ثلاثين ديكا، بالعناية بالديك "بيارو".

ويستخدم قطعة قماش رطبة لغسل الديك برفق قبل تقديم قطع من الموز لثلاثة من أفضل الديكة المقاتلة في مزرعته.

ويوضح هذا الشاب البالغ من العمر 25 عاما "نحضر الديوك للمنافسة. يتعين تغذيتها والاهتمام بصحتها" وتدربيها.

ويضيف "الاهتمام بالديوك يزيل الضغط النفسي، إنه شغف. حتى أن رؤيتها تكبر تجلب السعادة".

وعلى رغم السجل الحافل بالانتصارات لديوكه (35 فوزا وخسارة واحدة)، لا يعيش لوفاتينا من مصارعة الديوك إذإ أن الأرباح غالبا ما يتم تقاسمها مع مربين آخرين وهي لا تكفي البتة لتغطية تكاليف اللقاحات والغذاء والوقت الذي تتم تقضيته في تدريب الحيوانات.

ويقول الطالب في الاقتصاد "قبل المعركة يمكن انفاق ما يقرب من 160 دولارا على كل ديك". وتصل أسعار أفضل الديوك المستخدمة في هذه المعارك وهي من الجنس التايلاندي، إلى مبالغ طائلة: فسعر البيضة الواحدة قبل الفقس يصل إلى 70 سبعين دولارا ما يوازي شهرا ونصف الشهر من راتب متوسط في البلاد.

أما سعر الديك الجاهز للقتال فيتخطى في بعض الأحيان عتبة 5500 دولار.

حظر في دول عدة

وعلى مدرج أمبوهيمانغاكيلي، المواجهات مستمرة. ويخضع أحد الديكة لعملية جراحية بدائية جراء إاصابة بالغة تحت العين قبل إعادته للحلبة مجددا لاستئناف المصارعة. وردا على تشبيه البعض هذه الممارسة بأنها شكل من أشكال التعذيب، يؤكد محبوها أن مصارعة الديوك "رياضة".

ويقول لوفاتينا رافوافي "هذه الديوك أشبه بملاكمين وهي تخضع لعناية كبيرة قبل المبارزة. وعلى أي حال، هي تتمتع بغريزة القتال".

ويشير منظم الدورة سيترا راباريناندريانينا إلى أن "مصارعة الديوك سبقت بكثير ظهور الحضارة التي تريد منعها، وهي لا توازي بدمويتها مصارعة الثيران".

وتحظر الولايات المتحدة وأكثرية الدول الغربية مصارعة الديوك في حين تسمح فرنسا بها "في مناطق تمارس فيها كتقليد مستمر بلا انقطاع" بحسب قانون العقوبات الفرنسي، وهو الحال في منطقة الشمال الفرنسي وجزيرة لاريونيون.