هذا حدث شهدته الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية أمس الأول، حينما أعلن خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله، عن حزمة من التغييرات الإدارية، شملت «إعفاءات» لوزراء وإحلال آخرين محلهم، وتعييناً لأمراء مناطق ونواب لهم، إضافة إلى إعادة البدلات لرواتب المواطنين لما كانت عليه، وتنظيم موعد اختبارات الطلبة ليسبق رمضان.

الحدث الفارق وسط كل هذا، تمثل بإعفاء وزير الخدمة المدنية، لا إعفاء ينتهي بإحلال بديل له، بل إعفاء مع فتح تحقيق معه بتهمة الفساد الإداري، لأنه وظف ابنه بمركز مدير إدارة مشاريع بإحدى الوزارات وبراتب يفوق 21 ألف ريال «ألفي دينار تقريباً»، رغم أنه يحمل مؤهلاً ثانوياً، بحسب الرسالة التي نشرت لمواطن رفعها لرئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالسعودية «نزاهة».

القصة تبدأ حينما قام مواطن سعودي يدعى سعد الثويني بتقديم شكوى لرئيس هيئة مكافحة الفساد «نزاهة»، وأورد فيها معلومات تتضمن قيام وزير الخدمة بتوظيف ابنه دون وجه حق، متجاوزاً كافة الأعراف الإدارية، ومناقضاً تصريحات عديدة له تفيد بأنه لا توظيفات تتم وفق «محسوبيات» أو «واسطات»، لكنه قام بذلك فيما يتعلق بنفسه، ولذلك رأى الثويني بأن واجبه تجاه وطنه، وواجبه تجاه تفعيل دور «نزاهة» التي يدعم عملها خادم الحرمين نفسه، بأن يقوم بدوره وبتسجيل شكوى تجاه هذه الحالة.

هذه الشكوى الأولى من نوعها التي تتم بحق وزير في السعودية، قال عنها الثويني بأن ما دفعه للتفاؤل قيام الهيئة بزيارة الوزارة والتحقق من المعلومات، والتأكد بأن الوزير بالفعل تجاوز حدوده الإدارية.

الثويني استند فيما قام به، على تصريحات سابقة لخادم الحرمين الشريفين أكد فيها بأن محاربة الفساد والتجاوزات واجب على المواطن، وأن هناك إمكانية مقاضاة الأمراء أنفسهم، وليس فقط الوزراء.

بسبب شكوى المواطن، وبسبب تحرك «نزاهة» السريع، تم التأكد ليس من الحالة المذكورة للتجاوز الإداري والمالي للمسؤول الكبير، بل تم اكتشاف مخالفات عديدة بتعاقد عدد من الوزارات مع مواطنين برواتب عالية.

جهد الثويني لم يضع ولم يذهب هدراً، وشكواه لم توضع في الأدراج، بل هو لم يتضرر بأسلوب مباشر أو غير مباشر لأنه قدم شكوى على وزير، بل جهد الثويني «توج» و«كرم» من قبل الملك سلمان نفسه، حينما أعفى الوزير من منصبه وأحاله للجنة تحقيق بحسب النظام المنصوص عليه، وبعدها ترفع للقضاء لإصدار الحكم.

هنا من المهم أن نعرف بأن السعودية تمتلك قانوناً يسمى «نظام محاكمة الوزراء»، يركز على محاربة كل من يستغل منصبه، بحيث ينص القانون على من يثبت عليه استغلال المنصب بمواجهة عقوبة سجن تتراوح ما بين 3 سنوات إلى 10 سنوات.

هذه الحالة أمامنا، تمثل نموذجاً إيجابياً للمشاركة الشعبية من قبل الناس في عملية الرقابة ومحاربة الفساد، وهي عملية مستندة لوجود مؤسسة معنية بالرقابة والمحاسبة أصلاً، هي هيئة مكافحة الفساد، والأجمل أن هناك صلاحية ممنوحة لها بالتحقيق والتدقيق، وبموازاة ذلك فإن عملها يرتبط بالناس، باعتبار أن المواطن له الحق في التواصل معها لتقديم شكاوى مدعمة بالأدلة والإثباتات، والجزئية الأخيرة لازمة ومطلوبة حتى لا تنحرف المسألة وتتحول إلى ممارسات استهداف وتصفية حسابات.

هذه الحادثة عززت بالضرورة ثقة المواطن في أن الحقوق لا تضيع، طالما أن القانون والنظام يطبق بكافة حذافيره، ولا يمنح مساحة لأحد بأن يناور القانون.

زبدة القول هنا، أن الملك سلمان أعفى وزيراً وبلا تردد، منتصراً للناس وللحق العام وضارباً بالحسم على الفساد والاستهتار الإداري، مؤكداً أن مصلحة البلد فوق الجميع، وأن الطريق الصحيح للإصلاح يبدأ أولاً بمحاربة الفساد.