لقد أعادت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية ومباحثاته مع خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود العلاقات المصرية السعودية إلى نقطة التوازن بعد أن تعرضت لهبوب بعض الأتربة عليها. والعلاقات بين الدول تحتاج دائماً للرعاية من الطرفين أو الأطراف المعنية ولا ينبغي أن تؤخذ كأمر مفروغ منه، فالصداقة أو الحب ينبغي دائماً تعهدهما. والعلاقات بين الدول مثل العلاقات بين الأفراد ينبغي أن تتولاها الأطراف بالعناية والرعاية وتنقية الشوائب التي تطرأ عليها.

وينبغي أن ننسب الفضل لأهله في تنقية تلك الشوائب، ومبادرات حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وأمير دولة الكويت صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وعاهل الأردن جلالة الملك عبدالله الثاني، ساعدت في تنقية الشوائب وكانت الأرض مهيأة من الطرفين السعودي والمصري لذلك. ولهذا سرعان ما انقشعت الغمامة العارضة التي طرأت على العلاقات وحجبت لفترة قصيرة عمقها الاستراتيجي بين مصر والسعودية، وعاد الطرفان إلى سابق عهدهما وإلى وصية الملك عبدالعزيز رحمه الله، الذي أوصى أبناءه بمصر والذي لم يقصر للحظة في إبداء الرعاية لتلك العلاقة لإدراكه بثاقب بصيرته مدى العمق الاستراتيجي بين الدولتين وأنهما ركيزتا العمل العربي المشترك وأساس تقدم العرب والحفاظ على أمنهم. ولذا عندما دعا الملك فاروق لمؤتمر قمة لبحث إنشاء تنظيم عربي يكون محور العمل العربي المشترك بادر الملك عبدالعزيز رحمه الله، كما بادر إخوته القادة العرب فقامت الجامعة العربية مرتكزة على الدول السبع المؤسسة. واليوم أصبحت الدول العربية الأعضاء بالجامعة اثنتين وعشرين دولة. ومهما قيل عن ضعف الجامعة والانتقاد لدورها وأدائها فإنها الأساس الصلب للعمل العربي المشترك ومعظم المؤسسات التي نشأت بعدها لم تصمد للتحديات العاتية التي تطرأ على المنطقة العربية. ولهذا حرصت الدول العربية الرائدة على الحفاظ على استمرارية الجامعة وعلى رعاية العلاقات الاستراتيجية بين أهم دولتين مؤسستين خاصة بعد أن تعرضت أربع دول مؤسسة لتراجع مكانتها ونظرتها العربية نتيجة الصراع الإقليمي الطائفي، وضغوط بعض دول الجوار هنا وهناك مما أدى لانكشاف الأمن القومي العربي وأصبحت الهوية العربية موضع تساؤل ممن لا يفهمون عمق العلاقة بين العرب وبخاصة بين مصر والسعودية.

وكما قال الشاعر عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان:

أضاعوني وأي فتى أضاعـوا

ليـوم كريهـة وسـداد ثغـر

وخلونـي ومعتـرك المنايـا

وقد شرعوا أسنتهم لنحـري

كأني لم أكن فيهـم وسيطـاً

ولم تكُ نسبتي في آل عمـرو

وقول الشاعر أبوفراس الحمداني وهو في أسر الروم وهو ابن عم سيف الدولة الحمداني أمير حلب:

وقـال أُصَيْحابـي: الفِرارُ أو الـرَّدى؟

فقـلـــــتُ: هـمـا أمــرانِ، أحلاهـمـا مــرُّ

سيذْكرُنـي قـومــي إذا جــــدَّ جــدُّهــم

وفـــي اللـيـلـةِ الظـلـمـاءِ يفـتـقـدُ الــبــدرُ

وفي تقديري إن هذه الأبيات لهذين الشاعرين يعبران بدقة عن حال العالم العربي هذه الأيام، وهي حال تسعى الذئاب الفارسية وأذنابها لافتراسها وتسعى قوى داخلية في عالمنا العربي بدون وعي لتدميرها، وهم يعرفون إذا ضعفت مصر أو ضعفت السعودية، وهما ركيزتان للعمل العربي المشترك ليس اليوم أو بالأمس ولكن عبر السنين، مهما تغيرت القيادات وتبدلت الأحوال. فالأساس ثابت والقوة كامنة والرؤية واضحة والغمامة عارضة سرعان ما تنقشع ويدرك كل طرف مكانة الطرف الآخر.

ولقاء العاهل السعودي الملك سلمان مع الرئيس السيسي في عمان كان هو الحرارة التي أزالت السحابة ثم جاء اللقاء الثاني في الرياض ليكون بمثابة اللحظة التي تعيد الوئام وسيكون اللقاء الثالث في القاهرة هو اللبنة التي تعزز الأساس الاستراتيجي للعلاقات. وليتذكر من ينسون الحقائق ويعيشون في الأوهام والتطلعات الواهية، ويدرك من لا يدرك أقدار الدول والشعوب أن أهم ركيزة للدولة هو الإنسان الذي خلقه الله وجعله أساس الدولة والأمور العارضة فهي زائلة مثل زبد البحر الذي يذهب جفاء وما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

تهنئة من القلب للعروبة قبل كل شيء، وللسعودية ومصر ركيزتي العمل العربي المشترك، وشكراً لكل من ساهم بقدر في دفع تلك الغمامة بعيداً ومن ثم ساعد في كشف الرؤية الاستراتيجية لمصلحة الجميع من أبناء وبنات لغة الضاد ذوي الأصالة والوعي والإدراك الصحيح.

* المندوب السابق لمصر لدى جامعة الدول العربية