فاطمة عبدالله خليل

كشف رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية د.محمد السلمي أنه يمكن النظر في الدور السياسي الإيراني تجاه دول المحيط العربي والإسلامي، وعند الحديث عن قطر تحديداً، عبر المشروع الإيراني السياسي التوسعي بالمنطقة والذي يعتمد على مبدأ الهيمنة الإقليمية، وبسط النفوذ وفقا لأدوات تتفق والأيدولوجيا الحاكمة في طهران وفق نظرية ولاية الفقيه المطلقة، مشيرا إلي أن "طهران تعتمد في علاقتها مع الدوحة على فهم الخط السياسي والفكري الذي تنتهجه الأخيرة، وبالتالي تسعى لاستثماره بما يخدم مصالحها العليا وبما يسهم في مشروعها الكبير".

وأردف بقوله "كما يدرك الجميع، لعبت قطر دورا إقليميا، الأقرب يمكن اعتباره دوراً وظيفياً، خلال العقدين الماضيين، وارتمت كثيراً في حضن ما يسمى بالإسلام السياسي، وهذه نقاط تتقاطع كثيرا مع الأفكار والخطوط الإيرانية وبخاصة عند الحديث عن جماعة الأخوان المسلمين ونظرية ولاية الفقيه".



وأضاف "سعت الدوحة أيضاً لتكون صديقاً للجميع؛ وهذا يستحيل تماماً في مفهوم الواقعية السياسية؛ فالدول تقوم على تكتلات وتوجهات، وخطوط سياسية عرضية في السياسة الخارجية والتعامل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين".

وبيّن أن طهران قد أدركت ذلك جيداً وقرأت النظام السياسي في قطر بشكل صحيح ودقيق، ولعبت على ما يمكن تسميته بـ "النفخ في الذات القطرية" والعمل على تضخيم القوة السياسية، وركزت على بناء علاقة ثنائية بعيدة عن المنظومة الخليجية وهذا التوجه يعد من ركائز تعاطي النظام الإيراني مع دول الخليج بحيث يسعى إلى تفتيت التكتل السياسي والاجتماعي الخليجي والانفراد بكل دولة على حده".

وأكّد "لاحظ الجميع ذلك إبان الأزمة الخليجية مع قطر عام 2014، حيث كثفت طهران من نشاطها لتوسيع البون بين هذه الدول، واقنعت الدوحة بتأسيس اللجنة السياسية المشتركة بين البلدين، واجتمعت خلال فترة وجيزة مرتين؛ إحداهما في قطر والأخرى في إيران"، متوصلاً لنتيجة قال فيها "إذاً طهران تستخدم قطر كأداة للدخول للعمق الخليجي، وقطر تستثمر بعبع إيران في علاقتها مع بقية دول الخليج، وهذه اللعبة تشكل خطر وجودي على قطر على كافة الأصعدة".

واستطرد بتطور العلاقات القطرية الإيرانية إثر المقاطعة الرباعية لقطر، مبيناً أن "أول التحولات اللحظية والسريعة تمثلت في الجانب الاقتصادي حيث ارتفع حجم الصادرات الإيرانية إلى قطر وفقاً للمصادر الإيرانية بنسبة 75%، وبالتالي خلق ذلك متنفساً اقتصاديا جديداً لإيران". وأردف "استفادت إيران كذلك من حظر مرور الطائرات القطرية عبر أجواء الدول المقاطعة للدوحة، وأصبحت الخطوط القطرية تمر عبر الأجواء الإيرانية، مما يشكل رافداً مالياً جديداً للنظام الإيراني".

واسترسل السلمي "وبسبب التوتر السياسي والإعلامي في قطر؛ كشف النظام القطري الكثير من توجهاته السياسية تجاه إيران، والتي كان يعمل على إخفائها أو التطرق لها على استحياء في الفترة الماضية؛ فقد لاحظنا أن اللغة تجاه إيران أصبحت تعكس بشكل كبير حقيقة التوجهات القطرية وموقفها من النظام الإيراني، بل تجاوز الأمر ذلك في كثير من الأحيان إلى تبني وجهة النظر الإيرانية في تعاطيها مع قضايا المنطقة".

وأكد أن "إيران ستستغل موقف الضعف القطري وستحاول تطوير حقول الغاز المشتركة بين البلدين، وفي الغالب بالاستعانة بالتقنية المتاحة في قطر والتي تفتقدها إيران بسبب العقوبات الدولية، وهذا يشكل تحدياً حقيقياً من الجانب الاقتصادي على أقل تقدير للنظام القطري المعتمد كثيراً على تصدير الغاز".

وعند سؤالنا السلمي حول تسويق إيران نفسها "مرجعية سياسية للشيعة في العالم"، وإذا ما كانت تمثل في مواقفها الدينية والسياسية هؤلاء الشيعة فعلاً، أجاب "لقد تم بناء نظام الولي الفقيه في إيران ما بعد 1979 على أساس ثيوقراطي إقصائي بالدرجة الأولى حتى وإن زعم انفتاحه على العالم الإسلامي، بل أنه إقصائي تجاه أتباع المذهب الشيعي ما عدا قلة قليلة من الشيعة داخل إيران ناهيك عن خارجها".

ووضح الأمر بقوله "عند النظر إلى الدستور الإيراني في مادته رقم 12، على سبيل المثال، تجد أن النظام يصف إيران بأنها دولة إسلامية وفقا للمذهب الجعفري الاثنى عشري، وهذه المادة غير قابلة للتغيير مطلقاً. وعند النظر إلى فلسفة تعريف المذهب الاثنى عشري من منظور النظام الإيراني نجد أنه يقلص الإثنى عشرية إلى دائرة أضيق تسمى ولاية الفقيه، بل تضيق الدائرة بشكل أكبر لتصبح ولاية الفقيه المطلقة، والإيمان بذلك وممارسته شرطاً أساسياً في الوصول للمناصب القيادية في النظام الإيراني".

وبنى على ما سبق أنه "حتى وإن زعمت إيران أنها مرجعية دينية أو سياسية للشيعة في العالم، فإن الواقع يفند ذلك تماماً" وأضاف "إيران تضطهد الشيعة في داخل حدودها مثل العرب في الأحواز والآذريين في إقليم أذربيجان، وتعادي جمهورية أذربيجان وهي دولة شيعية بنسبة تتجاوز 80%، وقد ناصرت في تسعينيات القرن الماضي أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان الشيعية لأنها تختلف معها فكرياً وعرقياً".

ومن هذا المنطلق، قال السلمي أن "كل الشواهد تؤكد على أن إيران تعمل على استغلال التشيع والشيعة لخدمة مشروعها السياسي في المنطقة؛ فالتوجهات السياسية تتقدم بمراحل على تلك المذهبية، وإذا ما تقاطعت معها أو رأت أن المذهب يخدم المشروع السياسي قامت باستغلاله ليكون بمثابة حصان طروادة".

وأردف "هناك شيعة في العراق ولبنان ودول الخليج العربي وطنيون من الطراز الأول وانتمائهم لأوطانهم، بل ويعادون المشروع الإيراني وفلسفته الدينية، ويرون أن نظام ولاية الفقيه ابتدع في المذهب وأقحم الكثير من المعتقدات الفارسية أو العرفانية في صميم المذهب الشيعي، ولذا نجد هناك مدارس شيعية متباينة أحيانا داخل المذهب الاثنى عشري، وتنافس حوزوي كبير ربما انتصرت فيه إيران من خلال تهميش المرجعية الشيعية العربية العروبية واستهداف رموزها لإبراز الحوزة الفارسية في قم".

وانطلق السلمي مما سبق إلى القول "من الأهمية بمكان إعادة النظر في التعاطي مع الإعلامي والفكري في الحالة الشيعية، وعدم وضع جميع الشيعة في بوتقة واحدة، حفظاً لحقوق المواطنة وواجباتها، ومن لديه ولاء سياسي عابر للحدود يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة تجاهه حماية للمجتمع بشكل عام، بل والأقلية الشيعية على وجه الخصوص.

الأزمة الخليجية

وحول الأزمة الخليجية مع قطر، إذا ما كانت تشكل نقطة تقدم نحو تحقيق طموح المد التوسعي الإيراني، قال السلمي وهو صاحب حساب "شؤون إيرانية" الشهير على تويتر، إن "النظام الإيراني يعيش على الأزمات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ودول الخليج تستطيع أن تتصدى لأية محاولات إيرانية، بل أن النظام الإيراني يعيش في هذه المرحلة وبخاصة بعد عاصفة الحزم حالة من الانكفاء، أو على أقل تقدير محاولة الخروج بأقل الخسائر، مع المحافظة على بعض ما تم تحقيقه خلال العقد الماضي".

وأضاف "الخطر وبدون مبالغة أو تضليل على الأوضاع في قطر، وبخاصة إذا ما سمحت الدوحة لتواجد إيراني أكبر على أراضيها أو موانيها. عندما يتحقق لإيران النفوذ داخل أي دولة فإنه من الصعوبة بمكان السيطرة عليه أو الحد من خطورته بسبب الخبرة المتراكمة في هذا المجال، وبناء كثير من مشاريعها الطائفية والسياسية على هذه التكتيكات والأدوات" موضحاً أن "الحل بيد الحكومة القطرية في المقام الأول، وجل ما نتمناه ألا تأخذها العزة بالإثم وتشرع أبوابها للنظام الإيراني وأدواته الاستخباراتية وأذرعه في الوطن العربي".

واستطرد السلمي "إذا نجحت طهران في النخر في الجسد القطري، فإنه ستحول هذه الدولة الشقيقة إلى نموذج آخر من العراق -لا قدر الله، واعتقد أن دول بقية دول الخليج تحتاج إلى أن يكون موقفها واضحاً من أي توجه قطري لتشريع الأبواب أمام النظام الإيراني، لأن ذلك وإلى جانب خطره الداهم على قطر، سيصل شرره إلى بقية دول الخليج، وهذا الموقف يأتي في إطار حماية هذه الدول لأمنها الإقليمي وحماية حدودها وحفظ نسيجها الاجتماعي المترابط.

طهران وأنقرة

"العلاقات التركية الإيرانية متميزة في جانبها الاقتصادي، متقلبة في جانبها السياسي"، كان هذا أول ما استهل به السلمي حديثه حول العلاقات الإيرانية التركية وآفاق اجتماعهما في حلف ثلاثي مع قطر، وأكمل حديثه قائلاً "هناك تبادل تجاري كبير جداً بين أنقرة وطهران من المقرر أن يرتفع قريباً إلى 30 مليار دولار أمريكي وفقا لتصريحات أردوغان خلال زيارته الأخيرة لإيران".

وكشف أن "تركيا تعتمد بشكل كبير على الغاز الإيراني، وهذا يشكل نقطة ضغط إيرانية على تركيا، كما أن هناك أيضا إشكالية مشتركة على المستوى السياسي تتمثل في القضية الكردية التي أصبحت تشكل قلقاً حقيقياً لهاتين الدولتين".

وعن موقف موقف هاتين الدولتين من الأزمة الخليجية مع قطر بيّن أننا "ندرك جيداً أنهما داعمتين للدوحة بشكل كبير، بل أنه من المعلوم أن تركيا قامت بتأسيس قاعدة عسكرية لها في قطر، مما يشكل هاجساً خليجياً من النوايا التركية، ويرى البعض أن تركيا لن تتخلى عن ذلك بسهولة".

وأردف "كل دولة من هذه الدول الثلاث (تركيا – إيران – قطر) تسعى لاستخدام الأخرى لخدمة مصالحها، وأن التعاون في مجمله تكتيكياً، ولكن قد يتحول إلى استراتيجي في حال حدوث أي تطورات مستقبلية على الأرض"، مشيراً إلى أنه و"على كافة الأصعدة، لا يمكن مقارنة قطر بتركيا وإيران، ومن المؤكد أن كلي الدولتين ستستغل الهلع القطري إلى أبعد الحدود، وقد تتراجع مستقبلاً عن ذلك، ولكن ذلك يعتمد في المقام الأول على مسار الأزمة وتطوراتها ومداها الزمني".

ووقف السلمي على المقومات والإمكانيات الإيرانية التي تؤهلها لبناء علاقة استراتيجية مع قطر، فهناك الموقع الجغرافي في ظل الحظر المفروض على قطر –حسب قوله، "كذلك تسعى قطر إلى تصدير الغاز إلى تركيا، وهذا يمكن أن يكون عبر المياه أو الأراضي الإيرانية فالعراقية". موضحاً أنه "ما عدا ذلك، ليس هناك فائدة حقيقية لقطر من بناء علاقة استراتيجية مع إيران، بل ستكون عبئاً على الدوحة في الجانب الاقتصادي، وربما مستقبلاً الاجتماعي".

من ناحية أخرى، بيّن السلمي أن "طهران تسعى إلى الاقتراب بشكل أكبر إلى حدود الجزيرة العربية وبخاصة المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين" مفنداً ذلك بقوله "أي موطئ قدم لإيران على أرض خليجية بتنسيق وقبول سياسي من أي دولة خليجية، يعتبر انجازاً إيرانياً كبيراً على المستوى الاستراتيجي، ويعتبر هدية كبرى ربما لم يكن لإيران أن تحلم بها على الإطلاق".

وأردف "من المكاسب التي ترغب طهران في تحقيقها، منح النظام الإيراني مزيداً من الشرعية في الداخل الإيراني، وانخراطها مجدداً في أزمات المنطقة، والعمل على السيطرة على القرار السياسي والمجال الاقتصادي في الدولة التي تتسرب إليها". وأضاف إن "الدوحة قدمت الكثير من ذلك حالياً للنظام الإيراني، وما نخشاه أن يكون هناك مزيداً من التسهيلات المقدمة لإيران لم يتم الكشف عنها بعد. فعلى الجانب الاقتصادي فقد تحقق حتى اللحظة الكثير من المكاسب للنظام الإيراني وسوف يرتفع حجم هذه المكاسب كلما طال أمد هذه الأزمة الراهنة".

الأخوان المسلمين

وبيّن أن "أي تنسيق مباشر إضافي بين تنظيم الأخوان المسلمين والنظام الإيراني سيقود –لا قد الله- للمزيد من زعزعة الأمن والاستقرار في دول المنطقة"، مشيراً إلى أنه لم يعد لدى تنظيم الأخوان المسلمين ما يخسره بعد نشوب الأزمة الخليجية، إذ من المتوقع أن يرفع وتيرة التعاون مع نظام ولاية الفقيه، والخشية الكبرى أن يقوم التنظيم بأعمال تخريبية أو استفزازية في الداخل الخليجي لخدمة المشروع الإيراني".

التواجد العسكري

وبعد التواجد العسكري التركي في قطر تساءلنا إن كان هناك ثمة احتمال لتواجد إيراني مشابه، وبحثنا وضيفنا السلمي مدى ما يمكن أن يترتب على ذلك من إخلال بموازين الأمن في الخليج العربي، فأفاد أن "بعض وسائل الإعلام تحدثت عن تواجد مجموعة من الحرس الثوري الإيراني في الدوحة، ولكن ليس هناك أي دليل ملموس يثبت ذلك بعد"، مستبعداً سير الحكومة القطرية في هذا الاتجاه في الوقت الراهن، وعلل ذلك الاستبعاد بأن الحكومة القطرية تدرك مخاطر ذلك جيداً على الداخل القطري.

وأردف السلمي "ليس من العقل أو المنطق جمع قوات أمريكية وإيرانية وتركية على أرض خليجية، ولعل القارئ الكريم يتخيل معي مآلات حدوث أي احتكاك بين هذه القوات أو بعضها في قطر" متسائلاً كيف سيكون موقف قوات الأمن القطرية؟ وكيف سيكون موقف الشعب القطري؟ وما مصير دولة قطر بأسرها؟ ليقودنا إلى قوله إن "الاستقواء وإثبات الوجود يكون بقوة راسخة لها جذورها في البلاد والمجتمع وانتمائها لتلك الدولة وليس للدولار الأخضر".

وأضاف "ما يأتي بالمال يذهب من أجل المال، ولا يهمه الدمار والخراب الذي سوف يقع من بعده".

في المجمل، القضية كما يراها السلمي "ليست الإخلال بموازين القوى في المنطقة، بل الاختراق الخطير في التركيبة الخليجية وتجاوز كافة الالتزامات والاتفاقيات بين دول مجلس التعاون، مما يشكل خللاً كبيراً في المنظومة الخليجية وهزة في أركان البيت الخليجي، سوف تطول معالجته وتجاوز تداعياته".

أما عن الاشتباك المسلح فلم يرى السلمي أية "مؤشرات تقودنا إلى هذا الاتجاه"، لكن الأمر أيضاً ليس محسوماً تماماً، ويعتمد في المقام الأول على سير الأحداث ومستجداتها، حسب قوله.

الإعلام الإيراني

وختم السلمي القول بأن "الإعلام الإيراني يسعى دائماً إلى وضع المزيد من الحطب على النار المشتعلة، ويحاول توسيع الهوة بين الأشقاء الخليجيين، ولكنه في الغالب يميل كثيراً للجانب القطري، فإيران وآلتها الإعلامية أصبحت مدافعة عن الحكومة القطرية، وتعزف على وتر المظلومية، وتعزز ذلك، وبخاصة وسائل الإعلام المقربة من المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي"، مشيراً إلى أن هناك بعض الصحف المعتدلة وإن كانت قلة قليلة تدعو إلى الحياد في هذه المرحلة على أقل تقدير، لكن يبقى صوتها ضعيف وليس ذي تأثير.

السلمي في سطور:

د. محمد بن صقر السلمي

• حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإيرانية

• استاذ الدراسات الايرانية المساعد بجامعة أم القرى

• مؤسس و رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية

• محلل سياسي وكاتب رأي في عدد من الصحف السعودية وحاليا يكتب لصحيفة الوطن السعودية كل خميس

• صاحب فكرة ومقدم برنامج همسايه على القناة الإخبارية السعودية

• مؤسس حساب تويتر "شؤون إيرانية" أول حساب سياسي متخصص في تويتر بالعربية

• مستشار غير متفرغ لعدد من الجهات الحكومية والأهلية بالمملكة