لا أجد حرجاً إذا قلت إن قطر تواجه نفسها حينما وقعت على اتفاقية مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث باتت الدوحة أكثر عرضة للمساءلة الدولية أكثر من ذي قبل، خاصة بعد إعلان وزراء خارجية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب إثر اجتماعهم في المنامة أمس الأحد عن استعداد الدول الأربع فتح باب الحوار مع قطر شريطة موافقة الدوحة على تنفيذ مطالب الدول الأربع وتوقف قطر عن دعم الإرهاب، مشددين على أن «الحوار مع قطر حين تتوقف عن دعم الإرهاب».

المغزى من ذلك أن ملف قطر يتجه إلى منظمات المجتمع الدولي من دون أن تدرك ذلك، وأن الخطوات التصعيدية للدول الداعية لمكافحة الإرهاب ستضغط على الدوحة بأن تتقدم نحو المفاوضات لتنفيذ مطالبها التي تحفظ بها أمنها واستقرارها، ولا تنتهك سيادة قطر.

إلا أن إصرار القادة بقطر على موقفهم هو أمر يدعو للشك والحيرة في نفس الوقت، حيث يتضح أن القرار القطري على أراضيها لم يعد قراراً يتخذه أمير قطر وحده، ولعل ظهور حمد بن جاسم في الشاشات الأجنبية والأمريكية خاصة يؤكد أن تنظيم الحمدين قد عاد من جديد على الساحة الخليجية ولكنه عاد أكثر عناداً، ولعل أيضاً حمد بن جاسم وحمد بن خليفة قد اتفقا على الاستمرار في تنفيذ خطط إيران وجماعة الإخوان في مشروع الشرق الأوسط الجديد مع الإدارة الأمريكية السابقة رغم معارضة الإدارة الجديدة للبيت الأبيض لهذا المشروع.

وبالرجوع إلى عنوان المقال بأن قطر تواجه نفسها، فإن الوضع الحالي للدوحة لا ينبئ للمتتبع إلا بمزيد من العناد والتكابر الذي يدمر مستقبل الشعب القطري حيث لا يرى إلا صورة أمير قطر وتحمل عبارة «تميم المجد»، ولا ينظر إلى الأدلة الدامغة بشأن تورط دولته بدعم كيانات إرهابية واحتضانها، حتى إن الشعب القطري صار مهدداً من انقلاب تلك الجماعات على القادة بالدوحة إذا تخلت عنها. إن الوضع الداخلي بقطر لا يمكن وصفه بالإيجابي استناداً إلى ما ينقله الإعلام القطري «المتلاعب بالعقول»، إذ يقوم الذراع الإعلامي للجماعات الإرهابية بالترويج لمجموعة من المضامين المصطنعة لتوجيه الرأي العام القطري والمخدوعين بذلك الذراع نحو مفاهيم وأفلام إخبارية هيولودية تظهر بها قطر بأنها في «حصار» وأن الدول الداعية لمكافحة الإرهاب هي من تفتعل الأزمة، في حين لو نظرنا إلى إعلام وقنوات الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، لوجدنا أنها تتناول الأزمة بصورة مهنية عالية وتستند تقاريرها على أدلة واعترافات من قبل شخصيات كانت تابعة للنظام القطري أو تلك الجماعات التي تمولها قطر، غير أن الدول التي قررت قطع علاقاتها مع قطر التزمت بحقها السيادي في الحفاظ على أمنها القومي.

أما ما يلفت الانتباه هو ظهور شخصيات إعلامية تهاجم الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، لكن ذلك يصنف ضمن إطار «قلة الأدب» عندما تقوم تلك الشخصيات بالتطاول على حكام لهم تاريخ يسطر بماء من الذهب والذين كانوا سبباً في بقاء دول الخليج العربي بهذه الصورة رغم محاولات غربية بتفكيكه.

وهنا لا نضع اللوم على تلك الشخصيات وتصريحاتها لأنها تمثل من يقودها للحديث حول هذه المواضيع وهم قادة الجماعات الإرهابية الذين يهدفون من ذلك إلى زيادة تعميق الخلافات الخليجية كخطوة نحو التفكك وتسهيل المهمة عليهم في تنفيذ مخططاتهم، إلا أن تلك التصريحات لا يهتم بها قادة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب لوعيهم وصبرهم البالغ كون أن تلك التصريحات أغراضها مكشوفة وحتى لا تتأثر بالقرارات التصعيدية، لأنه لو كانت تلك التصريحات تم أخذها بعين الاعتبار لكان هناك تصعيد مستمر وقرارات شبه يومية على الدوحة حتى تصل قطر للإفلاس السياسي والاقتصادي ثم تعزل نهائياً كإيران.

قطر تواجه نفسها اليوم ولا تواجه الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، لأن جميع ما تطرحه أصبح مكشوفاً وأهدافه معروفة وسمعتها بين الأوساط الإقليمية والدولية تتجه نحو فقدان الثقة بها بعد انتهاكها للاتفاقيات التي وقعتها خاصة اتفاقيات الرياض، وأن التعاقد مع شركات علاقات عامة لتحسين صورة قطر، ردنا يكون بالمثل الشعبي «الشمس ما تتغطى بمنخل»!