لم تتوقف إيران منذ عام 1979 عن إصدار البيانات والإدلاء بالتصريحات الساخنة عن فلسطين والقضية الفلسطينية وسعيها إلى تخليص القدس من أيدي الصهاينة، بل إنه لا يكاد يمر يوم من دون أن يكون هناك تصريح لمسؤول إيراني عن فلسطين، لكن ردة فعلها على قرار إسرائيل بغلق المسجد الأقصى الأسبوع الماضي ومنع إقامة الصلاة فيه لم تختلف عن الدول الأخرى التي «تعيب عليها وتعتبرها مقصرة في حق القضية الفلسطينية وتتفاخر أمامها بأنها تعتبر هذه القضية قضيتها الأولى وأنها لن يهدأ لها بال حتى تتحرر فلسطين وتزول إسرائيل من الوجود». كل ما فعلته إيران لـ»دعم» أهل القدس في وقفتهم البطولية والتاريخية -التي أبهروا بها العالم فتيقن كل سكان الأرض أن هذا الحق لا يمكن أن يضيع طالما ظل وراءه أهله المطالبون به- هو الإدلاء ببعض التصريحات وتسيير مظاهرة للتنديد بفعل إسرائيل. عدا هذا لم تفعل شيئاً له قيمة، وهو ما يثير الآلاف من علامات الاستفهام والتعجب، إذ كيف يمكن لدولة لا تترك مناسبة إلا وتجتهد في استغلالها لتأكيد وقوفها إلى جانب الفلسطينيين والتعبير عن استعدادها لدعم القضية الفلسطينية بكل ما تملك أن تكتفي بالتنديد وتسيير مظاهرة؟

من هزم إسرائيل في حربها ضد الصلاة هم المقدسيون، ومن سعى إلى وقف هذه الخطوة الفاشلة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية هو خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي عمل على جعل الدول الكبرى يمارسون الضغوط على إسرائيل لتتراجع عن قرارها، ولم يرد في كل ذلك اسم إيران التي استغلت اسم فلسطين والقضية الفلسطينية على مدى أربعة عقود استغلالاً فاحشاً وتاجرت فيهما على هواها حتى كاد العالم يعتقد أن فلسطين تخص إيران وحدها!

ما حدث يثير سؤالاً عن الذي قدمته إيران بالفعل للقضية الفلسطينية وسبب اكتفائها بإصدار بيان وتسيير مظاهرة تندد بالممارسات الإسرائيلية رغم ادعائها المستمر بدعمها للقضية الفلسطينية وترديد مقولة إنها تسعى لإبادة إسرائيل؟ عملياً إيران استفادت كثيراً من القضية الفلسطينية، وعملياً لم تستفد القضية الفلسطينية من إيران، فما قامت به في المجمل دون القيمة، وما قامت به في قضية منع الصلاة لا يستحق حتى جزءاً من الوقت الذي خصصته للحديث عنه في فضائياتها السوسة ووسائلها الإعلامية المختلفة.

كل الدول العربية والإسلامية مسؤولة عن فلسطين وعن القدس بشكل خاص وكان ينبغي أن يكون لها كلها موقف وإجراءات عملية للوقوف في وجه استهتار حكومة نتنياهو، لكن ما رآه العالم هو أن إيران اختارت الهروب من هذه المسؤولية وفعلت كما تفعل دول أخرى لاتزال تعتبر القدس وقضية فلسطين مسؤولية الفلسطينيين وحدهم. أين الصواريخ التي تتحدث عنها ليل نهار؟ وأين ذهبت تصريحات مسؤوليها عن تحرير فلسطين ودعم القضية الفلسطينية و«حماس» و«الجهاد»؟ كل هذا لم يترجم عملياً في هذا «المحك» الذي عرفت به إسرائيل من يستطيع أن يقف في وجهها ويجعلها تتراجع وتعيد حساباتها وتذوق طعم الهزيمة ومن ليس إلا ظاهرة صوتية.

المثير هو أن إيران ورغم افتضاح أمرها وتبين أنها لم تفعل شيئاً لإنقاذ الصلاة في المسجد الأقصى ستواصل تصريحاتها الفارغة عن دعم فلسطين ومناصرة الفلسطينيين وستستمر في الزعم بأن القضية الفلسطينية هي قضيتها الأولى وأنها تدعمها بكل ما تستطيع وما تملك وأن استعادة القدس ستكون على يدها، بل سترفع في كل يوم شعاراً جديداً تحاول من خلاله الترويج بأنها هي وحدها من يمكن للفلسطينيين أن يعتمدوا عليها لتحرير أرضهم والمقدسات وأنها الوحيدة الصادقة في هذا التوجه.

إذا كان هذا هو فعل إيران يوم منعت الصلاة في الأقصى فأي خير يرتجى منها؟