يبدو وكأن «جيب البحريني» هو المورد الوحيد الذي تمخض عنه تفكير الحكومة لتقليص الفارق بين الإيرادات والمصروفات هذه الأيام، بل يبدو أنه بعد أن ثبت أن ترشيد النفقات الحكومية خاصة على القرطاسية والنثريات، لم يجدِ نفعاً في تقليص الفارق -وهذه نتيجة متوقعة- فإن الالتفاف لزيادة الإيرادات من خلال زيادة الرسوم على الخدمات التي تقدمها الدولة للقطاع الخاص هو الجديد، وتلك نظرة لا ترى أبعد من أصابع قدمها، ما فائدة إيرادات تدخل للدولة وآلاف الأسر البحرينية تعود لتطلب معونة اجتماعية بعد أن أغلقت مصدر دخلها؟ أو أعدت أصحاب المشاريع المتوسطة ليطلبوا وظيفة حكومية بعد أن استغنوا عنها؟ وهنا نتساءل هل خنق القطاع الخاص يأتي ضمن رؤية 2030؟ أليس التوجه هو تشجيع الشباب على ترك الوظائف الحكومية والاتجاه للسوق وفتح مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة ليكون القطاع الخاص محركاً للاقتصاد؟ ألم يكن التوجه للخصخصة ولإعادة التصنيع ولتشجيع التصدير وفتح أسواق جديدة ومساعدة رواد الأعمال لتنويع مصادر دخلهم وتوسيع رقعة تصديرهم؟ ألم نسمع أن الدولة تتجه لاقتصاد قائم على زيادة رقعة المشاريع الصغيرة والمتوسطة؟ فما بال القرارات تذهب في عكس هذا الاتجاه؟

هل الدولة مستعدة اليوم لمواجهة احتمال غلق العديد من تلك المشاريع التي اعتمدت على نفسها ونجحت من خلال اتجاهها للسوق أن تخفف الضغط على بند التوظيف الحكومي؟ وذلك بسبب زيادة الأعباء عليها يوماً بعد يوم؟ هل نعود بتلك القرارات خطوات للخلف بعد أن أحدثنا خطوات للأمام؟

تريدون أن ترفعوا الإيرادات من خلال زيادة الرسوم على الخدمات لا بأس إنما ليكن ذلك وفقاً لحجم الدخل، أو حجم الربح الصافي، لا وفقاً لنوع النشاط، فيتساوى من كانت أرباحه ألف دينار مع من أرباحه 100 ألف دينار؟ ذلك ليس عدلاً، بل هو الظلم بعينه.

في الوقت الذي تتجه فيه الدول لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بكل ما تملك بتشجيعها ومساعدتها على المنافسة والبقاء في السوق فهي المستقبل الواعد للاقتصاد، نسمع دعوات «البقاء للأقوى» سياسة اقتصادية جديدة ترفع شعارها الحكومة، ذلك شعار يصلح للغابة يا سادة وقد يصلح حين الحديث عن تنافس بين شركات عملاقة آيفون تنافس سامسونغ مثلاً، إنما لا يطبق هذا الشعار على صغار المشاريع ومتوسطها، أنت هنا تتحدث عن هزيمة إن وقعت على صاحب للمشروع صغير وخرج من السوق بعدها تتحدث عن ضعيف بالكاد يجد ما يطعم به أهله ويسدد نفقاتهم وخروجه من السوق يعني زيادة عدد العاطلين وعدد الأسر التي تحتاج مساعدة اجتماعية، وبدلاً من تشجيعه والتصفيق له لأنه لم ينتظر مساعدة حكومية نقول له البقاء للأقوى فإن لم تتمكن من البقاء اخرج من السوق!!

ومن المفارقة أنه أثناء اللغط في البحرين على خبر زيادة الرسوم على السجلات التجارية من بعد زيادة فاتورة الكهرباء عليهم ومن بعد فتح المجال أمام العمالة الوافدة لمنافستهم منافسة غير شريفة، وصراخ التجار الصغار وتنبيههم للدولة إلى أن ذلك يناقض سياسة تمكين وما تقدمه لزيادة رواد الأعمال بل إنه ينقاض سياسة إصلاح سوق العمل بشكل عام التي جاءت بها رؤية 2030، في هذا الوقت يصرح الدكتور غسان السليمان؛ محافظ الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة مستشار وزارة التجارة والاستثمار في المملكة العربية السعودية لصحيفة الاقتصادية يوم الجمعة الماضي «أن الهيئة رفعت إلى الجهات المعنية، بتقليص وتيسير الرسوم الحكومية على المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

وقال السليمان على هامش توقيع مذكرة تفاهم مع جامعة جدة، أمس، إن تعدد الجهات التي تفرض الرسوم على المنشآت الصغيرة والمتوسطة طبيعي في كل دول العالم، وكل جهة لها رسوم مثل رسوم السجل التجاري لوزارة التجارة أو رسوم البلديات أو رسوم الغرف التجارية، لكن بخصوص رسوم الشركات الناشئة والصغيرة فإن قدرتها على دفع الرسوم أقل من قدرة الشركات الكبيرة.

وأضاف، أن الهيئة تدرس حالياً بعض الأفكار المطروحة من القطاع الخاص، وأقامت ورش عمل في مدن مختلفة لتبادل الأفكار، لأنهم أدرى بالمشاكل التي تواجههم، خاصة أن هناك أطروحات لا تتناسق مع احتياج القطاع الخاص.

ووقعت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة مذكرة تفاهم مع جامعة جدة ممثلة في مركز الإبداع وريادة الأعمال في الجامعة، لتطوير بيئة ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب والشابات، والمساهمة في نمو الاقتصاد وتنوعه» انتهى الخبر

أنت ترى الآن تناغماً وتناسقاً بين رؤية 2030 السعودية وبين القرارات التي تتخذ في هذا الاتجاه في السعودية، لكنك ترى في البحرين سيراً في عكس الاتجاه، وترى تواصلاً وتباحثاً بين صناع القرار وبين أصحاب الشأن لكنك ترى انقطاعاً في حبل الوصل وتسمع صراخاً من الطرف الأضعف دون أن يجد آذناً صاغية لوجعه.

الملاحظة الأولى:

أرجو أن يأخذ الرد -إن كان هناك رد- منحى جاداً في تبادل الرأي فقد تكون لدى الحكومة وجهة نظر مشروعة نتمنى أن نسمعها، ويبقى الرد راقياً نتعاون فيه سوياً على إيجاد مخارج للجميع فنحن في مركب واحد، لا أن يكون الرد عبر حسابات على التواصل الاجتماعي تضرب في النوايا وفي النزاهة والمصداقية فقد فقدت تلك الوسيلة تأثيرها وانكشفت مصادرها!!

الملاحظة الثانية:

ألا يجب أن يكون هناك حد أدنى من التنسيق بين الملف السياسي والملف الاقتصادي كي لا يطرح مثل هذا القرار في هذا التوقيت؟