إعداد - وليد صبري:

ترتبط مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية بعلاقات تاريخية وطيدة تمتد لأكثر من مائتي عام، حيث ترجع العلاقات بين المملكتين إلى الدولة السعودية الأولى "1745- 1818"، والثانية "1840- 1891". وفي هذا الصدد، تشارك مملكة البحرين، قيادة وحكومة وشعباً، المملكة العربية السعودية، أفراحها بيومها الوطني، حيث تتسم العلاقات بين المملكتين، بكونها علاقات تاريخية، تقوم على التواصل والود والمحبة، بين قيادتي وشعبي البلدين، وتشهد تطوراً مستمراً على كل المستويات، انطلاقاً من الثوابت والرؤى المشتركة التي تجمع بينهما تجاه مختلف القضايا، وروابط الأخوة ووشائج القربى والمصاهرة والنسب ووحدة الدم والمصير والهدف المشترك الذي يجمع الشعبين الشقيقين، فضلاً عن جوارهما الجغرافي، وعضويتهما في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية.

وفي هذا الصدد، يؤكد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى، وخادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حرصهما المشترك على توسيع آفاق العلاقات الثنائية بين البلدين، والارتقاء بها في شتى المجالات والميادين.



وتضرب العلاقات البحرينية السعودية بجذورها في أعماق التاريخ، وتتنوع هذه العلاقات وتتشعب لتشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأسرية.

وتظهر متانة العلاقات بين البلدين، في تشارك قيادتيهما وشعبيهما الأفراح والأحزان، ووقوفهما إلى جانب بعضهما البعض في الملمات والمحن، تأكيداً للروابط المتجذرة بين الشعبين الشقيقين.

وتجمع البحرين والسعودية علاقة قديمة وخاصة، ويعود الترابط إلى القرب الجغرافي بين البلدين، ويمكن بسهولة ملاحظة تشعب العوائل السعودية في البحرين وبالعكس. كما أن الترابط القبلي موجود منذ قديم الزمان، وكثير من المواطنين البحرينيين مقيمون بالسعودية، والعكس صحيح، وهناك أعداد كبيرة من طلبة البحرين يدرسون في جامعات سعودية، وطلبة سعوديون مسجلون في جامعات بحرينية.

وأسهم الحب والود المتبادل بين شعبي البلدين في تقريب المسافات بين الدولتين أكثر فأكثر، وألغى الحدود القائمة بينهما، حتى باتا يتشاركان ذات المصير المسنود برصيد التاريخ والجغرافيا.

وتتشارك البحرين مع السعودية في انضوائهما تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، والأمم المتحدة، ما يؤكد أن للدولتين توجهاً واحداً وانتماء مشتركاً.

رؤية سياسية موحدة

من أبرز أوجه التعاون الوثيق بين المملكتين الزيارات المكثفة المتبادلة وحرص القيادتين الحكيمتين على التواصل المستمر والتشاور بشأن مختلف التطورات في المنطقة، وتأكيد المملكتين على الوقوف صفا واحدا في مواجهة الإرهاب والمحاولات الخارجية الآثمة لزعزعة الاستقرار، وتتعاون المملكتان في دعم جهود الأمن في المنطقة من خلال التحالفان الإسلامي والدولي لمكافحة الإرهاب.

وعلى الصعيد السياسي، تشهد العلاقات بين البلدين قدراً كبيراً من التنسيق في المواقف من القضايا الإقليمية والدولية التي يتم تداولها في مؤتمرات قمم مجلس التعاون وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة، وغيرها من المحافل الدولية، فضلاً عن التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب.

ولا غرو إذا ما سجل التاريخ بمداد من ذهب الدور الذي ما فتئت البحرين والسعودية تقومان به في المحافل العربية والدولية منذ أن تبوأ البلدان مكانتهما كدولتين مستقلتين بين دول العالم.

ويتبنى البلدان رؤية موحدة ودبلوماسية منسجمة ومتوافقة تجاه المواقف من القضايا الإقليمية والدولية.

وكان من أبرز دلائل رغبة الشعبين في مزيد من التلاحم، موافقة الشعبين لمقترح المملكة العربية السعودية، بشأن تحول مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي كامل. وتعد المطالبة بتوحيد العملة بين الدولتين، مظهراً آخر من مظاهر رغبة الاتحاد، بينما تسعى قيادتي البلدين على تطوير وتجديد العلاقات الجامعة بينهما بصفة دائمة ومستمرة.

وقد سجل التاريخ في مارس 2011، وقفة سعودية خالدة مع البحرين في مواجهة مخططات الفتنة التي أرادت السوء للمملكة، حينما، بدأت طلائع قوات "درع الجزيرة" المشتركة، بمشاركة القوات السعودية، بالوصول إلى مملكة البحرين نظراً لما شهدته من أحداث مؤسفة تزعزع الأمن وتروع الآمنين من المواطنين والمقيمين، وانطلاقاً من مبدأ وحدة المصير وترابط أمن دول مجلس التعاون على ضوء المسؤولية المشتركة لدول مجلس التعاون في المحافظة على الأمن والاستقرار التي هي مسؤولية جماعية باعتبار أن أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ.

وأكد مجلس الوزراء السعودي في ذلك الوقت تجاوبه مع طلب البحرين الدعم في هذا الشأن، في الوقت الذي دخلت فيه قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين، وذلك لحفظ الأمن والاستقرار في البحرين التي شهدت حالة من الاحتجاجات والإضرابات العامة. وأكد وزراء مجلس التعاون الخليجي وبينهم السعودية وقوفهم بقوة إلى جانب البحرين، كما أطلقوا صندوقاً تنموياً للبحرين بقيمة 10 مليارات دولار.

تكامل عسكري

ويمكن التأكيد على التنسيق عسكري الكامل بين المملكتين في مجالات الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب.

يحظى التعاون العسكري باهتمام قيادتي البلدين، انطلاقاً من قناعة راسخة بوحدة الهدف والمصير، إضافة إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ المشترك. وشمل التعاون العسكري مجالات عديدة ركزت على تعزيز التعاون في مجال تبادل الدعم والمساندة وتبادل المعلومات، وتوحيد مناهج الدورات العسكرية، والاستفادة المتبادلة من الإمكانات المتوفرة في البلدين في مجال التدريب والتعليم والصيانة، إضافة إلى تعزيز الدفاع الجوي المشترك بين البلدين. كما تم الاتفاق على أن يتم وبشكل دائم تنفيذ تمارين عسكرية مشتركة وتمارين بحرية وتمارين جوية للطائرات المقاتلة والعمودية.

كما حظي موضوع إنشاء وتوفير منظومة اتصالات عسكرية مؤمنة بين القوات المسلحة بدول مجلس التعاون الخليجي باهتمام وأسبقية خاصة لدى قيادتي البحرين والسعودية.

وقد وقعت البحرين والسعودية اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وحقق العمل الخليجي المشترك في المجال العسكري نقلة نوعية حيث حددت الاتفاقية العديد من مرتكزات التعاون العسكري ومنطلقاته وأسسه وأولياته.

وفي مجال مكافحة الإرهاب، استطاعت الدولتان التصدي بنجاح للهجمة الجائرة التي حاولت الربط بين الإسلام والإرهاب، حيث أكدت البحرين والسعودية على أن الإسلام دين يعارض الإرهاب بكافة صوره وأشكاله.

شراكة اقتصادية

وتعد السعودية الشريك الأول للبحرين اقتصادياً، ويعود التعاون الاقتصادي بين الدولتين إلى ما قبل اكتشاف النفط، وعند بداية استخراج النفط، كان هناك نسبة كبيرة من النفط السعودي يكرر في مصفاة البحرين.

وتتواجد الشركات السعودية بكثافة في البحرين، وتعمل في قطاعات السفر والشحن والتجارة الهندسة وغيرها من قطاعات، وكل هذه الشركات تشكل ثقلاً اقتصادياً مهماً في البحرين. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية والبحرين نحو 3.7 مليارات دولار.

وكان لتوجهات قيادتي البلدين دور بارز في تعزيز ودعم التعاون الاقتصادي الذي جسدته المشروعات المشتركة وتفعيل سبل تنمية التبادل التجاري، والعمل على إزالة المعوقات التي تواجه العمل الاقتصادي وتسهيل انتقال رؤوس الأموال بين البلدين، مما ساهم في تعدد المشروعات الاقتصادية المشتركة بين البلدين الشقيقين والتي تعززت بشكل كبير بعد افتتاح جسر الملك فهد في نوفمبر عام 1986. وزاد الارتباط الاجتماعي والاقتصادي بين البلدين مع مد الجسر وتدشينه كشريان حيوي، حيث اقتربت المسافات وزادت حركة النقل بين المملكتين، ورفع الجسر من وتيرة العلاقات الاقتصادية والتجارية.

ومع افتتاح الجسر، توالدت الكثير من المشروعات الاقتصادية والتجارية المشتركة بين الدولتين، ما أنعش الحركة التجارية بينهما، ويعد الجسر اليوم منفذاً برياً لصادرات البحرين، وجعل الاستيراد من الخارج أكثر يسراً وسهولة وأقل كلفة.

وينتظر الشعبان اليوم إطلاق مشروع جسر الملك حمد الجديد، بعد إقراره مؤخراً، بما يسهم في زيادة التلاحم والود الأخوي بين الشعبين، وزيادة المشاريع الاقتصادية بين الدولتين، ما يعود بمنافع اقتصادية كبيرة على الجانبين. ومن المنتظر أن يوفر الجسر فرص عمل واسعة للشباب البحريني والسعودي، ما يحقق شراكة مجتمعية بين الشعبين الشقيقين، وزيادة تقريب المسافات كخطوة نحو الاتحاد الخليجي المنشود، فيما تشير تقارير إلى أن تكلفة إنشاء الجسر نحو 5 مليارات دولار، وقد قررت المملكتان في مارس الماضي الإسراع في عمل التصاميم الهندسية للمشروع.

وتمثل السعودية عمقاً استراتيجياً اقتصادياً للبحرين كونها سوقاً اقتصادية كبيرة أمام القطاع الخاص البحريني لترويج البضائع والمنتجات البحرينية. في المقابل فإن البحرين تمثل امتداداً للسوق السعودية في ترويج البضائع والمنتجات السعودية، وفي هذا الإطار يضطلع مجلس رجال الأعمال البحرينيين والسعوديين بدور كبير في سبيل زيادة حجم الأعمال والمشاريع المشتركة.

كما أن البحرين بفضل ما تتمتع به من سياسات اقتصادية تقوم على الانفتاح وتنويع مصادر الدخل وسن تشريعات تحمي المستثمرين والاستثمارات، استطاعت أن تستقطب الكثير من الاستثمارات السعودية إليها التي أصبحت تستحوذ على النصيب الأوفر من السوق الاستثمارية البحرينية.

وفي مارس الماضي، وقعت المملكة مع الصندوق السعودي للتنمية 9 عقود تمويل لمشاريع خدمية وبنية تحتية تصل قيمتها إلى 489 مليون دولار، لإقامة عدد من المشاريع الحيوية في البحرين، وغير ذلك العديد من أوجه التعاون الذي يشمل جميع المجالات.

ويبرز التعاون الخدماتي بين المملكتين في بدء تنفيذ مشروع مدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطبية، التي تبرع لها جلالة الملك بقطعة أرض مساحتها مليون متر مربع.

تعاون ثقافي

يعد التعاون الثقافي متشعباً ويغطي المجالات الفنية والأدبية والتراثية والإعلامية لعل أبرزها مشاركة البحرين في مهرجان الجنادرية، فيما يجسد السيف الأجرب عمق العلاقات الوطيدة بين المملكتين على مدار 140 عاماً.