حين نتحدث عن الحسين بن علي فإننا نتحدث عن الإنسان وليس عن الهوية أو الفرد، وحين نتعمق في هذه الشخصية الفذة فإننا نتحدث عن الفداء والبطولة وليس عن المذهب والكيان، فالأبطال ليسوا حالات طارئة في التاريخ البشري، كما أنهم ليسوا ملكاً لدين أو حكراً على طائفة، فالحسين صاحب النهضة الإنسانية والمدافع عن الحق وكرامة الإنسان يجب أن يكون رجلاً عابراً للطوائف وليس شخصية إسلامية فقط، فمن يحاول احتكار الحسين في طائفته أو مذهبه أو حتى دينه فإنه يحجم هذا البطل، ومن هنا نحن نؤكد على ضرورة عالمية هذه الشخصية العظيمة كما هو الحال مع كل العظماء الذين ينطلقون من موقع المسؤولية ومن حرصهم على سلامة مسيرة الإنسان في كل اتجاهاته.

من المؤكد أن كل المحاولات المتعلِّقة باحتكار ثورة الحسين ونهضته لن تنجح أبداً لأن شخصيتنا العملاقة التي نتحدث عنها هنا تتجاوز الأماكن الصغيرة والآفاق الضيقة والأفكار الساذجة، فالحسين شخصية ذات أبعاد تتخطى الطوائف والأزمنة والأمكنة لتواصل عطاءاتها من حيث يوجد الإنسان الضعيف المستضعف، بل إننا وجدنا أن من أبدعوا في قراءة الحسين هم بعض الفلاسفة والمفكرين من المسيحيين والكثير من أصحاب الملل الأخرى لأنهم آمنوا أن النهضات الحضارية والإنسانية ليست ذات هوية محددة تذوب فيها بقدر ما هو مقاومة للظلم والانتصار للإنسان بغض الطرف عن هويته الدينية والمذهبية.

ما يجب أن نتعلمه في ذكرى الحسين بن علي هو أن ندعو لتدويل نهضته وليس لطأفنتها أو حجزها ومنعها عن المسير نحو هدفها السامي من أجل الوصول إلى كل الأفئدة من مشارق الأرض حتى مغاربها، فكل الثوار ماتوا حين سكنوا قبورهم أو مناطق هويتهم ولم يخرجوا منها، وكل الثوار الذين أصبحوا نبراساً للإنسانية هم من كانوا مشاعل حق للإنسان وليس لفئة من الناس. كربلاء ليست إسلامية وليست شيعية وليست سنية، بل هي منطلق لكل الإنسانية ولكل الهويات الأخرى التي تفتش في حاضرها ومستقبلها عن بصيص أمل للمجد والنهوض نحو بناء الإنسان والأوطان بعيداً عن كل التحزبات والمناورات والمناوشات الطائفية الرخيصة، ولهذا فليكن «الحسين الإنسان» هو عنوان كل مراحل ذكراه التي خلدتها ثورته العالمية من منطلق الحب والسلام والفداء والتضحية ولكل عنوان جميل خرج من أجله هذا العظيم في مشهد تراجيدي لن يتكرر، فلا تظلموا الحسين مرتين.