لم يكن فيصل طفلاً عادياً كأخوته الأكبر سناً. فيصل لا ينفك عن الحركة والدوران حول نفسه بشكل جنوني. تناديه والدته باسمه تطلب منه التوقف، لكنه يبدو كالأصم.

علي الحسن .. والد فيصل يستذكر البدايات قائلا: " يُخيل إلينا إنه لا يرانا ولا يعلم بوجودنا حوله لفرط انشغاله الدائم بعالمه الخاص!.. هو لا يحب مشاركة أقرانه اللعب، ويفضل اللهو بألعابه التي يقوم بترتيبها في خط طويل دون أن يمل أو يسعى للانخراط في نشاط مختلف".

لم يكن فيصل يجيد التعبير عن نفسه إلا بإظهار شعور عارم بالتوتر الذي قد يصل به إلى الدخول في نوبة غضب شديدة، يقول والده: " يغضب إذا ما حاولنا سحبه من عالمه ذاك واجباره على اللعب مع الأطفال الآخرين..كنا نظن إن استجابته العنيفة تلك لكونه لم يكتسب المهارات اللغوية بشكل كامل بعد رغم بلوغه العام الثالث. كان يردد كلمات كثيرة، ولكنه لا يعرف طريقة استخدامها في جمل مفهومة، وهو الأمر الذي جعله عاجزاً عن الدخول في محادثة منطقية معنا أو مع أي شخص آخر".



يصمت والده لحظات ثم يزيد قائلا: "لم نهتم كثيراً بتلك التصرفات التي ارجأناها لسمات شخصية أكثر من كونها إشارات... كنت أدرس تلك الفترة في الأردن، حيث لفتني أحد أصدقائي بأن ابني فيصل ليس ولداً طبيعياً، وإنه يعاني من شيء ما؟!

لحظة الاكتشاف

هل فيصل حالة خاصة فعلا.. احتمال.. ولكنه وارد.. هذا ما جال في خاطر أبو فيصل، وللتأكد كان لابد من زيارة الطبيب المختص، وهنا كانت لحظة الاكتشتاف، التي يتحدث واصفا: "بعد عودتنا إلى البحرين، قمت بأخذ طفلي إلى قسم الحالات النفسية للأطفال بمستشفى السلمانية، حيث مر بفحوصات دقيقة ومعقدة، تم تشخيص حالته -بناء على نتائجها-بعد أسبوع كامل من الزيارات اليومية بأنه مصابا باضطراب التوحد".

ويزيد في الوصف قائلا: "لم أكن قد سمعت شيئاً عن هذا الاضطراب الذي تبين لي لاحقاً بعد البحث عنه، إنه اضطراب في النمو العصبي يؤثر على التطور في ثلاثة مجالات أساسية هي، القدرة على التواصل ونقص في المهارات الاجتماعية وفقدان القدرة على اللعب التخيلي... وما صدمني هو حقيقة كون هذا المرض مزمن ولا يوجد علاج شافٍ تماماً له، لكن الأطباء طمئنوني بأن حالة ابني يمكن أن تتحسن بحيث يصبح قريباً من الشخص الطبيعي ويندمج بسهولة مع المجتمع باتباع خطوات علاج سلوكي ودوائي وغذائي بشكل متكامل".

الخطوة الأولى

بعد الاكتشاف مرت العائلة بأسرها بخطوات ومراحل، يتحدث عنها والد فيصل مفصلا : "كانت الخطوة الأولى هو تخصيص مدرسة خاصة لتعليمه بشكل خاص. والخطوة الثانية إعطائه ادوية تزيد من نسبة تركيزه وتحد من نشاطه الزائد، إضافة إلى عمل نظام غذائي خاص يعتمد على تجنب تناول بعض الأصناف الغذائية التي من شأنها أن تزيد نشاطه... وتنقلنا في رحلة علاجه بعد ذلك بين عدة مراكز خاصة -رغم تكاليفها الكبيرة-كان لها الفضل في تحسن حالة ابني بشكل تدريجي حتى أصبح يمتلك القدرة على الكتابة والقراءة. والاعتماد على النفس في اختيار وارتداء ملابسه... وأخيراً سمعنا بفصول الدمج التي توفرها وزارة التربية والتعليم، وارتأينا الحاقه بأحد هذه الفصول. والحقيقة إنني ترددت بعض الشيء إذ خشيت ألا يتلقى أبني العناية والاهتمام الذي اعتدناه من قبل المراكز الخاصة.

"

مفاجأة .. الوزير حاضرا

رغم المخاوف وحالة القلق التي عاشها والد فيصل في تلك المرحلة، تفاجأ بمثول وزير التربية والتعليم الدكتور ماجد النعيمي شخصيا أمامه في اليوم الدراسي الأول، وكان هذا الأمر بمثابة المفاجأة، وعنها يقول أبو فيصل : " لم يكتف وزير التربية والتعليم بهذا الاستقبال المطمئن لنا كأولياء أمور فحسب، بل تعداه إلى مرافقة ابني إلى صفه الجديد الذي كان مجهزاً بشكل كامل لاستقبال أطفال التوحد الذين لم يتجاوز عددهم خمسة أطفال في الصف الواحد، بما يضمن حصول كل طفل على التركيز الذي يحتاجه لمواصلة رحلة العلاج.. كما قام الوزير بتوصية الاختصاصيات به.

ويضيف بمشاعر رضا واضحة : "كأولياء أمور شهدنا أمام عيننا تواضع الوزير الجم إذ قام بالجلوس على الأرض وملاعبة ابني.. وكم كانت فرحتي كبيرة عندما علمت بأن هذه الصفوف ليست سوى المرحلة الأولى التي ستؤهل ابني للانضمام لاحقاً إلى الصفوف العادية.. في تلك اللحظة نسيت كل ما عانيته في رحلة علاج ابني الطويلة، وأنا أضعه على أولى عتبات السلم الذي سيأخذه لأن يكون طفلاً طبيعياً ومتميزاً في ذات الوقت".

ويختم والد فيصل بنصيحة يزرع بها الأمل : "النصيحة التي أوجهها إلى أولياء أمور الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، الا يتملكهم اليأس وأن يتحلوا بالكثير من الصبر في رحلة علاج أبنائهم للعبور بهم الى بر الأمان".