سيرة المشير الركن معالي الشيخ خليفة بن أحمد القائد العام هي تاريخ يسطر تاريخاً، فإذا كان للتأريخ كتابه وباحثوه وسابرو أغواره، فإنّ هناك رجالاً هم من يصنعون التاريخ ويقودونه وينعطفون به ثم يكتبونه. وخليفة بن أحمد صنع ذلك التاريخ، ثم أرخه ووثقه في كتاب جاءت تفاصيله بصياغة الزميل والأخ سعيد الحمد ومعه العقيد الركن عبدالله الكعبي، ليسطر التاريخ لنا رجلاً بحجم التاريخ.

ورغم أن الكتاب يشمل أكثر من 500 صفحة شملت العديد من مراحل التكوين ومراحل التأسيس لقوة دفاع البحرين والمشاركات العسكرية، وعرجت على الجانب الإنساني لشخصية القائد العام، إلا أنني سأقف عند عشرين صفحة منه من الصفحة 411 إلى الصفحة 431 هي التي جعلت من رتبة «المشير» رتبة لها شعبية ولها رنة تستقبلها الأذن البحرينية باعتزاز ومشاعر فياضة لا تتناسق عادة مع الرتب العسكرية، إنما لارتباطها بما قام به هذا الرجل من دور سطره له التاريخ في عودة أمن فقد لأيام في البحرين التي عرفت بأنها مملكة الأمان، وطمأنينة وسلامة غابت حتى اضطر الناس أن يشكلوا فرقاً شعبية لحفظ حياتهم ومنازلهم، لا لعجز في الأجهزة الأمنية إنما لأمر صدر بمنح فرصة للحوار والتهدئة عل وعسى من ضل طريقه يعود لرشده، أيام بدت وكأنها أعوام عاث الخراب في البلاد وانتشرت الفوضى وتراءت للناس صور لشعوب كانت تتظلل بظل الدولة وتعيش حياتها رغداً حتى جاءها الخراب العربي أو سمي حينها زوراً وبهتاناً (بالربيع العربي) فتشردت وتشتت شملها ووقفت على حدود الدول طالبة اللجوء، هكذا كانت المخاوف تتصادم أبوابها في قلوب الناس، إلى أن أعلن عن عملية (الفاروق 2) وتلاها إعلان حالة السلامة الوطنية ثم تلاها الإشراف على توزيع قوات درع الجزيرة على المنشآت الحيوية، تلك العملية التي أعادت الروح بإعادة استتباب الأمن، ويشهد الله أن دعاء النساء والرجال لم يتوقف لمن وقف بالحواجز الأمنية حينها، ونذكر كيف فتحت الأبواب للرجال البواسل وتسابق الناس لسقيهم بالماء وكل ما مررنا بهم دعوْنا لهم بطول العمر وبأن يحفظهم الله من كل مكروه، تلك الأوقات التي ارتبط فيها اسم المشير بتلك المشاعر وتلك الأحاسيس، فخلقت له شعبية جارفة دون علم الناس بتفاصيل العملية ودقائقها، ليأتي هذا الكتاب ويتحدث عنها بتروٍّ ويسد فراغاً هاماً لمنعطف هام ليس في تاريخ البحرين فحسب إنما في تاريخ المنطقة.

من يعرف حجم المؤامرة على المنطقة بأسرها يعرف أهمية سقوط البحرين لا قدر الله، من يعرف حجم ما دبر في ليل وما خزن من متفجرات وأسلحة ويعرف حجم التدريب والإعداد للعناصر الإرهابية ويعرف حجم التمويل بل ويعرف أن قوات دولية عظمى وإقليمية تضافرت قواها ضد البحرين في تلك المرحلة، يعرف حجم عملية «الفاروق 2» وكيف انتهت بأقل ما يمكن من الخسائر، فما بالك حين تنتهي العملية في وقت قياسي ولا تطلق رصاصة واحدة أمام جموع قدرت بالآلاف عسكرت المنطقة وسلحتها ونصبت خيامها فيها؟ تلك التفاصيل المشرفة التي جاءت في العشرين صفحة من هذا الكتاب لبت احتياجاً هاماً لتوثيق تلك المرحلة التاريخية التي حمت فيها البحرين المنطقة كلها من خطر الامتداد الفارسي، بعملية تدرس في دقتها وتوافر عناصر نجاحها، وكانت خاتمة ذلك الفصل قصيدة قالها عضيد المشير معالي الشيخ خالد بن أحمد فيه:

نعم كفيت ووفيت يا مظفر ..................... وفي صدور العدا مرماك ما قصر

يا ولد أبوي وتاج روس النشاما ............... يفداك منهو عن النكران قد عبر

ودويتهم دوية عقاب تحدر ................... من عالي بالجو يا كثر ما كسر

وتفرقوا مثل الجعارى السهارى ............ لي صاح فيهم ذيب ما فيه من كشر

وتكشفت روس وطاحت عمايم .............. باعت بلدنا وتحسب الجيش ما يقدر

حسبة دسايس ما يميز أهلها ................ هم يحسبون الحرب دوار ومدور

شافوا الفعل واهل الفعل .................... ما تمادوا خلو لهم مخرج جرابيع أو أكثر

ما للشدايد غير أهلها خليفه عضدي ........ وأنا له درع ما لان ما يكسر

ودرع الجزيرة أمن الظهر عنا ............ له قايد مغوار شاعر ولا قصر