بالأمس كتبت هنا باحثاً عن أصوات النواب المنتخبين التي اختفت بشكل ملحوظ عما يحصل في الملفات الاقتصادية الهامة، وما يمس المواطنين منها، على رأسها الغلاء وزيادة الرسوم ورفع الأسعار والضريبة المضافة، وكأننا نكتب على وقع إحساس بأن شيئاً ما سيحصل.

وبالفعل، تفاجأ المواطن البحريني برفع أسعار البنزين، وهو ما قيل عنه أنه رفع بنسبة 25٪ و12٪ لنوعي البنزين «الممتاز» و«الجيد»، رغم أننا إذا أردنا الدقة في الأرقام، فإن هذا الرفع يساوي نسبة 100 ٪، إذ لا يجب نسيان أنها عملية الرفع الثانية في أقل من عامين، واليوم وصل سعر ليتر البنزين الممتاز إلى 200 فلس بعد أن كان 100 فلس، قبل عمليتي الرفع الأولى والثانية.

من سيتوقع أن الناس لن تتكلم عن هذا الأمر فهو مخطئ، إذ الأمور التي يتأثر بها المواطن مباشرة، وتدخل إلى جيبه دون حتى مقدمات، وتفرض عليه مصروفات مضاعفة، لن يتقبلها الناس بأريحية، بل سيتكلمون ويستاؤون، وسينتقدون الحكومة في هذه السياسات المالية، وطبعاً النواب الذين انتخبوهم ليدافعوا عن حقوقهم، وليحققوا لهم مكاسب أكثر، لكنهم «ساكتون» للمرة الثانية.

أقول «ساكتون» هنا، لا تعليقاً على ردات الفعل النيابية من بعض النواب الذين «سيرعدون ويزبدون» إعلامياً وعلى صفحات الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، بل أعني «ساكتون» أمام المؤشرات الواضحة التي كانت تنبئ بأن هذا الأمر سيكون واقعاً لا محالة، ومع ذلك لم تكن هناك أية تحركات.

في عملية رفع الأسعار الأولى، نتذكر بأننا صحينا الصباح على القرار المفاجئ، ويومها سمعنا النواب وهم «يتحلطمون» كأي مواطن عادي، والحيرة كانت في كيف يصل النائب لهذه المرحلة، وأين أدواته الدستورية، وأين مشاركته في صناعة القرار؟!

لا يجوز لنائب أن يجلس و«يتحلطم» مثل المواطن، أنت تملك أدواتك وأنت مشرع في مجلس تشريعي، فماذا فعلت؟!

واليوم جاءت عملية الرفع الثانية في النهار، بحيث أكمل البحرينيون يومهم وهم في حالة دهشة واستغراب واستياء، هناك نقد للحكومة بشأن الملفات المالية والموازنة والعجز ورفع الأسعار وزيادة الرسوم، في مقابل عدم وجود حتى نية لرفع الرواتب أو صرف تعويضات، يضاف لها «الإيمان التام» بأنه مهما فعل النواب، ومهما صرخوا وهددوا ولوحوا، فإن العملية ستتم كما كانت في المرة الأولى.

ستجدون من الناس من سيسلم بالأمر كما المرة الأولى، إذ لا حول ولا قوة، إذ حينها في عام 2016، كانت المبررات بترنح أسعار النفط، إضافة للوضع المالي والاقتصادي، وأن ما حصل أمر لابد منه، وأننا سنركز في سياسة التقشف وتقليل المصروفات، مع التأكيد أنه لا مساس بالمواطن. لكن اليوم المستغرب أن أسعار النفط عادت للارتفاع، بل وصلت للسقف المحدد في الموازنة العامة وهو 60 دولاراً للبرميل، والسؤال بالتالي لماذا هذا الرفع؟!

هنا أعاود التذكير لمرات ومرات بضرورة أن يخرج أحد للناس ويتحاور معهم ويرد على تساؤلاتهم، ويشرح لهم الخريطة الاقتصادية القادمة، وماذا سنفعل كإجراءات وسياسات للحفاظ على التوازن الاقتصادي، دون تحميل المواطن أعباء إضافية.

ولأن لا أحد يتحدث للناس، فمن حقهم بالتالي التعبير عن استيائهم، ومع مثل هذه الإجراءات لابد من توقع ردات فعل، خاصة وأن العملية تأتي بعد أيام من عملية رفع لأسعار البنزين تمت في الشقيقة المملكة العربية السعودية، لكن الفارق، وهو ما تتحدث به الناس بالأمس وحتى اليوم، أن هناك تعويضات أعلنت للناس، بحيث تساعدهم على تخفيف وطأة الزيادة، إضافة لتسهيلات وخدمات. بالتالي ما يردده الناس عبر تساؤلاتهم إزاء ما حصل بالأمس، مفاده: هل هناك ما سيعوض المواطن، فالأسعار زادت وكثير من الأمور ارتفعت، إلا راتب المواطن ومدخوله.

بعض الناس قد لا يحس بتداعيات هذه القرارات نظراً لمدخوله، لكنك حين تفكر بالناس ذوي المداخيل المتوسطة والمتدنية، عليك أن تحاول تخيل تأثير هذا الارتفاع على حياتهم، وكيف سيؤثر على ميزانياتهم.

وأخيراً نقول: للمرة الثانية ترفع أسعار البنزين، ولا نعرف أين موقع النواب الذين انتخبناهم «من الإعراب» في صناعة مثل هذه القرارات؟