عندما قررت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب قطع علاقتها السياسية والدبلوماسية مع دولة قطر كانت دوافعها واضحة وصريحة، ومطالب الدول الأربع كانت جادة ليكف النظام القطري عن ممارساته الإرهابية ودعمه للعناصر المتطرفة، وحتى لا ننسى أن الدول المقاطعة إنما هي تضع حداً لممارسات قطر فيما يتعلق في تأييدها لأهداف شيطانية ومساعيها الهادمة لتفكيك الشعوب العربية وإثارة الفوضى والفساد في منطقة الشرق الأوسط، فالأزمة القطرية وصلت إلى هذا المنحنى بعدما تمادى النظام القطري في إرهابه، وبرغم ذلك لم تبدِ الدول المقاطعة الأربع نواياها نحو الحشد العسكري ضد قطر، ليس لأن هذه الدول لا تستطيع أو تخاف المواجهة العسكرية وإنما لأنها لا تريد، فنحن نعلم أن هذه الدول خاضت معارك جسيمة على مر السنوات الماضية، فالثقل السعودي والمصري لا يمكن تجاهله، ولكن هذه الدول لا تريد أن تتجه إلى منحنى الفوضى والدمار. على الجانب الآخر من الأزمة القطرية نجد أن دولة قطر وضعت خطتها الاستراتيجية في بداية الأزمة وضمنت فيها الخطة العسكرية ضد دول الخليج، فقطر استعانت بإيران وتركيا وتحالفت معهما حتى تنال الدعم السياسي والاقتصادي بجانب الدعم العسكري، فسرعان ما نشرت قطر القوات التركية والإيرانية في أراضيها كخطوة أبعد ما تكون لتأمين حدودها بين دول الخليج، فالخطوة الاستباقية التي قامت بها قطر هي خطوة عسكرية من خلال اختراق طائرات حربية قطرية للمجال الجوي لمملكة البحرين وتعريض طائرة مدنية إماراتية لخطر المداهمة والاصطدام بها، وهذه مؤشرات مبدئية «للتحرش» العسكري بعدما بينت الدول المقاطعة جديتها وحزمها في اجتثاث الإرهاب وكل من يسانده ويدعمه، وبعدما عكفت الدول الأربع على الاستمرار في المقاطعة والسير من دون الالتفات إلى النظام القطري الداعم للإرهاب.

ما قامت به المقاتلات القطرية من انتهاكات وترهيب للمسافرين المدنيين جريمة في حق الإنسانية ولا يمكن أن تغتفر، فهذا السلوك غير المسؤول دليل على تخبط النظام القطري في اتخاذ القرارات السليمة وهذا واضح منذ الأيام الأولى من المقاطعة، ودليل على العشوائية في إيجاد الحلول المناسبة، أما سرعة اتخاذ القرارات فتحتاج إلى طاقات تستوعب حجم الأعباء الملقاة عليها، فالقرارات الحاسمة تأخذ منحنيين إما تدفع بالشعب إلى الأمام أو تلقيه من أعلى الهاوية، فالمراهقة في قيادة شعب قد تقوده إلى تشتت وضياع وهلاك خصوصاً إذا كانت هناك أطراف تستهوي الإرهاب وتدفع إلى ذلك، ويبدو أن قطر تفتقر إلى الحنكة والصبر فاستعجلت بردها العسكري الأخير.

بدا أيضاً بعد هذه الحادثة توتر في العلاقة التي تربط قطر بتركيا، وكان واضحاً عند لقاء الرئيس التركي مع حاكم دولة قطر، فارتباك تميم بن حمد عند لقائه مع أردوغان لا يمكن تجاهله، فلغة الجسد كشفت توتر تميم بن حمد وإيماءاته كانت واضحة على قلق لم يستطع إخفاءه، وكأنه يرسل رسائل للدول الخليجية بأنه في ورطة وعليهم انتشاله من الوحل الذي رمى نفسه وشعبه فيه، ويبدو أيضاً أن الدولة العثمانية تحاول أن تتخلى عن قطر وتتراجع عن قراراتها بشأن التدخل العسكري ضد دول الخليج، وتحاول ألا تصطدم مع المملكة العربية السعودية عسكرياً خصوصاً أن مخاوف تركيا مع بداية الأزمة القطرية كانت تنصب في الخوف من أن تكون تركيا هي التالية بعد قطر في المقاطعة لما تنتهج تركيا نهج قطر، كما إن الحكومة التركية أيضاً متوترة إزاء علاقتها مع دول الخليج فقد دأبت في السنوات الماضية على تعزيز هذه العلاقات لما تحقق من مكاسب جمة لتركيا دولياً وإقليمياً وإعلان تركيا تحالفها مع قطر ضيعت فرص عديدة لها، ولكن مازال المشهد غير واضح بعد زيارة تميم الأخيرة لتركيا، والأيام المقبلة ستكشف الستار عما إذا كانت تركيا ستتخلى عن تحالفها مع قطر وتتركها طعماً لإيران، أم إنها محاولة قطرية غير مباشرة لجذب انتباه دول الخليج حولها بعد رسالة الاستغاثة التي صورها تميم في اللقاء الأخير.